في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمۡ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغۡفِرَ لَهُمۡ وَلَا لِيَهۡدِيَهُمۡ طَرِيقًا} (168)

148

ويعيد السياق وصفهم بالكفر ، ليضم إليه الظلم :

( إن الذين كفروا وظلموًا ) . .

والكفر في ذاته ظلم : ظلم للحق ، وظلم للنفس ، وظلم للناس . . والقرآن يعبر عن الكفر أحيانا بأنه الظلم كقوله تعالى : ( إن الشرك لظلم عظيم ) . . وقوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) بعدما قرر أنهم الكافرون في الآية السابقة عليها . . [ كما سيجيء في موضعه في هذا الجزء في سورة المائدة ] . . وهؤلاء لم يرتكبوا ظلم الشرك وحده ، ولكن ارتكبوا معه ظلم الصد عن سبيل الله ايضا ، فأمعنوا في الكفر . . أو امعنوا في الظلم . . ومن ثم يقرر الله بعدله جزاءهم الاخير :

( إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا - إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدًا ) . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمۡ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغۡفِرَ لَهُمۡ وَلَا لِيَهۡدِيَهُمۡ طَرِيقًا} (168)

{ إن الذين كفروا وظلموا } محمدا عليه الصلاة والسلام بإنكار نبوته ، أو الناس بصدهم عما فيه صلاحهم وخلاصهم أو بأعم من ذلك . والآية تدل على أن الكفار مخاطبون بالفروع إذ المراد بهم الجامعون بين الكفر والظلم . { لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمۡ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغۡفِرَ لَهُمۡ وَلَا لِيَهۡدِيَهُمۡ طَرِيقًا} (168)

الجملة بيان لجملة { قد ضلّوا ضلالاً بعيداً } [ النساء : 167 ] ، لأنّ السامع يترقّب معرفة جزاء هذا الضلال قبيّنته هذه الجملة .

وإعادة الموصول وصلته دون أن يذكر ضميرهم لتُبنَى عليه صلة { وظلموا } ، ولأنّ في تكرير الصّلة تنديداً عليهم . ويجيء على الوجهين في المراد من الذين كفروا في الآية الّتي قبلها أن يكون عطْفُ الظلممِ على الكفر في قوله : { إن الذين كفروا وظلموا } إمَّا أن يراد به ظلم النّفس ، وظلم النبي والمسلمين ، وذلك اللائق بأهل الكتاب ؛ وإمَّا أن يراد به الشرك ، كما هو شائع في استْعمال القرآن كقوله : { إنّ الشرك لظلم عظيم } [ لقمان : 13 ] ، فيكون من عطف الأخصّ على الأعمّ في الأنواع ؛ وإمّا أن يراد به التعدّي على النّاس ، كظلمهم النبي صلى الله عليه وسلم بإخراجه من أرضه ، وتأليب النّاس عليه ، وغير ذلك ، وظلمهم المؤمنين بتعذيبهم في الله ، وإخراجهم ، ومصادرتهم في أموالهم ، ومعاملتهم بالنفاق والسخريّة والخداع ؛ وإمّا أن يراد به ارتكاب المفاسد والجرائم ممّا استقرّ عند أهل العقول أنَّه ظلم وعدوان .

وقوله : { لم يكن الله ليغفر لهم } صيغة جحود ، وقد تقدّم بيانها عند قوله تعالى : { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب } في سورة آل عمران ( 79 ) ، فهي تقتضي تحقيق النفي ، وقد نفي عن الله أن يغفر لهم تحذيراً من البقاء على الكفر والظلم ، لأنّ هذا الحكم نِيط بالوصف ولم يُنط بأشخاص معروفين ، فإن هم أقلعوا عن الكفر والظلم لم يكونوا من الَّذين كفروا وظلموا . ومعنى نفي أن يهديهم طريقاً : إن كان طريقاً يومَ القيامة فهو واضح : أي لا يهديهم طريقاً بوصلهم إلى مكان إلاّ طريقاً يوصل إلى جهنّم . ويجوز أن يراد من الطريق الآيات في الدنيا ، كقوله : { اهدنا الصراط المستقيم } [ الفاتحة : 6 ] . فنفي هديهم إليه إنذار بأنّ الكفر والظلم من شأنهما أن يخيّما على القلب بغشاوة تمنعه من وصول الهدي إليه ، ليحذر المتلبّس بالكفر والظلم من التوغّل فيهما ، فلعلَّه أن يصبح ولا مخلّص له منهما . ونفي هدى الله أيّاهم على هذا الوجه مجاز عقلي في نفي تيسير أسباب الهدى بحسب قانون حصول الأسباب وحصول آثارها بعدها . وعلى أي الاحتمالين فتوبة الكافر الظالم بالإيمان مقبولة ، وكثيراً ما آمن الكافرون الظالمون وحسن إيمانهم ، وآيات قبول التّوبة ، وكذلك مشاهدة الواقع ، ممّا يهدي إلى تأويل هذه الآية ، وتقدّم نظير هذه الآية قريباً ، أي { الذين آمنوا ثُمّ كفروا } [ النساء : 137 ] الآية .