إنا مرسلو الناقة فتنة لهم . فارتقبهم واصطبر . ونبئهم أن الماء قسمة بينهم . كل شرب محتضر . .
ويقف القارئ يترقب ما سيقع ، عندما يرسل الله الناقة فتنة لهم ، وامتحانا مميزا لحقيقتهم . ويقف الرسول - رسولهم عليه السلام - مرتقبا ما سيقع ، مؤتمرا بأمر ربه في الاصطبار عليهم حتى تقع الفتنة ويتم الامتحان . ومعه التعليمات . .
وقوله تعالى : { إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة } الخ استئناف مسوق لبيان مبادي الموعود على ما هو الظاهر ، وبه يتعين كون المراد بالغد وقت نزول العذاب الدنيوي بهم دون يوم القيامة ، والإرسال حقيقة في البعث وقد جعل هنا كناية عن الإخراج ، وأريد المعنى الحقيقي معه كما أومأ إليه بعض الأجلة أي إنا مخرجوا الناقة التي سألوها من الهضبة وباعثوها { فِتْنَةً لَّهُمْ } امتحاناً ، وجوز إبقاؤها على معناها المعروف { فارتقبهم } فانتظرهم وتبصر ما هم فاعلون { واصطبر } على أذاهم ولا تعجل حتى يأتي أمر الله تعالى .
فأرسل الله الناقة التي هي من أكبر النعم عليهم ، آية من آيات الله ، ونعمة يحتلبون من ضرعها{[934]} ما يكفيهم أجمعين ، { فِتْنَةً لَهُمْ } أي : اختبارا منه لهم وامتحانا { فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ } أي : اصبر على دعوتك إياهم ، وارتقب ما يحل بهم ، أو ارتقب هل يؤمنون أو يكفرون ؟
قوله تعالى : { من الكذاب الأشر إنا مرسلو الناقة } أي : باعثوها ومخرجوها من الهضبة التي سألوا أن يخرجها منها ، وذلك أنهم تعنتوا على صالح ، فسألوه أن يخرج لهم من صخرة ناقةً حمراء عشراء ، فقال الله تعالى : { إنا مرسلو الناقة فتنة لهم } محنةً واختباراً لهم ، { فارتقبهم } فانتظر ما هم صانعون ، { واصطبر } على ارتقابهم ، وقيل : على ما يصيبك من الأذى .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إنا مرسلو الناقة فتنة لهم} لنبتليهم بها {فارتقبهم} يعني انتظرهم، فإن العذاب نازل بهم {واصطبر} على الأذى...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: إنا باعثو الناقة التي سألتها ثمودُ صالحا من الهضبة التي سألوه بَعثتها منها آية لهم، وحجة لصالح على حقيقة نبوّته وصدق قوله. وقوله:"فِتْنَةً لَهُمْ "يقول: ابتلاءً لهم واختبارا، هل يؤمنون بالله ويتبعون صالحا ويصدّقونه بما دعاهم إليه من توحيد الله إذا أرسل الناقة، أم يكذّبونه ويكفرون بالله؟
وقوله: "فارْتَقِبْهُم" يقول تعالى ذكره لصالح: إنا مُرسلو الناقة فتنة لهم، فانتظرهم، وتبصّر ما هم صانعوه بها "وَاصْطَبِرْ" وأصل الطاء تاء، فجعلت طاء، وإنما هو افتعل من الصبر.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{واصطبر} على أذاهم ولا تعجل حتى يأتيك أمري.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
فأخبر الله تعالى صالحاً على جهة التأنيس أنه يخرج لهم الناقة ابتلاء واختباراً، ثم أمره بارتقاب الفرج وبالصبر.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
قال آمرا لعبده ورسوله صالح: {فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ} أي: انتظر ما يؤول إليه أمرهم، واصبر عليهم، فإن العاقبة لك والنصر لك في الدنيا والآخرة.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{واصطبر} أي عالج نفسك واجتهد في الصبر عليهم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويقف القارئ يترقب ما سيقع، عندما يرسل الله الناقة فتنة لهم، وامتحانا مميزا لحقيقتهم. ويقف الرسول -رسولهم عليه السلام- مرتقبا ما سيقع، مؤتمرا بأمر ربه في الاصطبار عليهم حتى تقع الفتنة ويتم الامتحان. ومعه التعليمات.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والإِرسال مستعار لجعلها آية لصالح. والاصطبار: الصبر القوي، وهو كالارتقاب أيضاً أقوى دلالة من الصبر، أي اصبر صبراً لا يعتريه ملل ولا ضجر، أي اصبر على تكذيبهم ولا تأيس من النصر عليهم، وحذف متعلق {اصطبر} ليعم كل حال تستدعي الضجر. والتقديرُ: واصطبر على أذاهم وعلى ما تجده في نفسك من انتظار النصر.