السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّا مُرۡسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتۡنَةٗ لَّهُمۡ فَٱرۡتَقِبۡهُمۡ وَٱصۡطَبِرۡ} (27)

وروي أنهم تعنتوا عليه فسألوه أن يخرج لهم من صخرة ناقة حمراء عشراء فقال تعالى : { إنا } أي : بما لنا من العظمة { مرسلوا الناقة } أي موجدوها لهم ومخرجوها كما اقترحوا من حجر أهلناه لذلك وخصصناه من بين الأحجار دلالة على إرسالنا صالحاً عليه السلام : مخصصين له من بين قومه وذلك أنهم قالوا لصالح عليه السلام نريد أن نعرف المحق ، منا بأن ندعوا آلهتنا وتدعو إلهاك فمن أجابه إلهه علم أنه المحق فدعوا أوثانهم فلم تجبهم ، فقالوا : ادع أنت فقال : فما تريدون ؟ قالوا : تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء وبراء ، فأجابهم إلى ذلك بشرط الإيمان ، فوعدوه بذلك وأكدوا فكذبوا بعدما كذبوا في أنّ آلهتهم تجيبهم ، وصدق هو عليه السلام في كل ما قال فأخبره ربه سبحانه أنه يجيبهم إلى إخراجها { فتنة لهم } أي : امتحاناً يخالطهم به فيميلهم عن حالتهم التي وعدوا بها وتخليهم عنها ، لأنّ المعجزة فتنة لأنّ بها يتميز المثاب من المعذب ، فالمعجزة تصديق وحينئذ يفترق المصدّق من المكذب ، أو يقال : إخراج الناقة من الصخرة معجزة ودورانها بينهم وقسمة الماء كان فتنة ، ولهذا قال تعالى : { إنا مرسلوا الناقة } ولم يقل : { مخرجوا } .

{ فارتقبهم } أي : كلف نفسك انتظارهم فيما يكون لهم جزاء على أعمالهم انتظار من يحرسهم { واصطبر } أي : عالج نفسك واجتهد في الصبر عليهم ، وأصل الطاء في اصطبر تاء فتحولت طاء لتكون موافقة للصاد في الإطباق .