في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَهُم مَّقَٰمِعُ مِنۡ حَدِيدٖ} (21)

ثم مشهد من مشاهد القيامة يتجلى فيه الإكرام والهوان ، في صورة واقع يشهد كأنه معروض للعيان :

هذا خصمان اختصموا في ربهم . فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ، يصب من فوق رؤوسهم الحميم ، يصهر به ما في بطونهم والجلود ؛ ولهم مقامع من حديد ، كلما أرادوا أن يخرجوا منها - من غم - أعيدوا فيها . وذوقوا عذاب الحريق . إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ، يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير .

إنه مشهد عنيف صاخب ، حافل بالحركة ، مطول بالتخييل الذي يبعثه في النفس نسق التعبير . فلا يكاد الخيال ينتهي من تتبعه في تجدده . .

هذه ثياب من النار تقطع وتفصل ! وهذا حميم ساخن يصب من فوق الرؤوس ، يصهر به ما في البطون والجلود عند صبه على الرؤوس ! وهذه سياط من حديد أحمته النار . . وهذا هو العذاب يشتد ، ويتجاوز الطاقة ، فيهب ( الذين كفروا )من الوهج والحميم والضرب الأليم يهمون بالخروج من هذا( الغم )وها هم أولاء يردون بعنف ، ويسمعون التأنيب : ( وذوقوا عذاب الحريق ) . .

ويظل الخيال يكرر هذه المشاهد من أولى حلقاتها إلى أخراها ، حتى يصل إلى حلقة محاولة الخروج والرد العنيف ، ليبدأ في العرض من جديد !

ولا يبارح الخيال هذا المشهد العنيف المتجدد إلا أن يلتفت إلى الجانب الآخر ، الذي يستطرد السياق إلى عرضه . فأصل الموضوع أن هناك خصمين اختصموا في ربهم . فأما الذين كفروا به فقد كنا نشهد مصيرهم المفجع منذ لحظة ! وأما الذين آمنوا فهم هنالك في الجنات تجري من تحتها الأنهار . وملابسهم لم تقطع من النار ، إنما فصلت من الحرير . ولهم فوقها حلى من الذهب واللؤلؤ . وقد هداهم الله إلى الطيب من القول ، وهداهم إلى صراط الحميد . فلا مشقة حتى في القول أو في الطريق . . والهداية إلى الطيب من القول ، والهداية إلى صراط الحميد نعمة تذكر في مشهد النعيم . نعمة الطمأنينة واليسر والتوفيق .

وتلك عاقبة الخصام في الله . فهذا فريق وذلك فريق . . فليتدبر تلك العاقبة من لا تكفيه الآيات البينات ، ومن يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَهُم مَّقَٰمِعُ مِنۡ حَدِيدٖ} (21)

وقوله : { وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } ، قال الإمام أحمد :

حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لَهِيعة ، حدثنا دَرَّاج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن مِقْمَعا مِن حَديد وُضِع في{[20090]} الأرض ، فاجتمع له الثقلان ما أقَلُّوه من الأرض " {[20091]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود ، حدثنا ابن لَهِيعة ، حدثنا{[20092]} دَرَّاج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو ضُرب الجبلُ بمِقْمَع من حديد ، لتفتت ثم عاد كما كان ، ولو أن دلوا من غَسَّاق يُهَرَاق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا " {[20093]} .

وقال ابن عباس في قوله : { وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } قال : يضربون بها ، فيقع كل عضو على حياله ، فيدعون{[20094]} بالثبور .


[20090]:- في ت : "على".
[20091]:- المسند (3/29).
[20092]:- في ت ، ف : "عن".
[20093]:- المسند (3/83) ودراج عن أبي الهيثم ضعيف.
[20094]:- في ت ، ف : "فيدعو".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَهُم مَّقَٰمِعُ مِنۡ حَدِيدٖ} (21)

وقوله : ولَهُمْ مَقامعُ مِنْ حَدِيدٍ تضرب رؤسهم بها الخزنة إذا أرادوا الخروج من النار حتى ترجعهم إليها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَهُم مَّقَٰمِعُ مِنۡ حَدِيدٖ} (21)

{ ولهم مقامع من حديد } سياط منه يجلدون بها وجمع مقمعة وحقيقتها ما يقمع به أي يكف بعنف .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَهُم مَّقَٰمِعُ مِنۡ حَدِيدٖ} (21)

المقامع : جمع مِقمعة بكسر الميم بصِيغة اسم آلة القَمع . والقمع : الكف عن شيء بعنف . والمقمعة : السوط ، أي يُضربون بسياط من حديد .

ومعنى { كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها } أنهم لشدة ما يغمهم ، أي يمنعهم من التنفس ، يحاولون الخروج فيُعَادون فيها فيحصل لهم ألم الخيبة ، ويقال لهم : ذوقوا عذاب الحريق .