رواسي : جبالا ثوابت تمنعها من الاضطراب .
7 – { والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج } .
والأرض بسطناها في نظر العين ، وبسطها لا ينافي كرويتها وحركتها أمام الشمس ، ويترتب على ذلك الليل والنهار ، فالجزء المتعرض للشمس يكون نهارا ، والمختبئ عن الشمس يكون ليلا .
وخلقنا فيها جبالا رواسي ، تحفظها من أن تميد أو تضطرب ، والجبال من أنعم الله تعالى ، ففي قمتها تتجمع الثلوج في الشتاء ، ثم تنزل في الصيف فتسقي الزرع ، وتفيض على المرتفعات ، والجبال ملجأ للهارب ، وأمان للعابد ، وبيت لراغب الخلوة ، ولأمر ما سبحت الجبال مع داود ، وخر الجبل أمام موسى عندما تجلى الله تعالى للجبل ، وكانت خلوة النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء حين نزل الوحي أول مرة ، وابتدأت الهجرة من غار ثور ، وبجوار جبل أحد كانت غزوة أحد ، وهناك دفن شهداء الصحابة ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( أحد جبل يحبنا ونحبه )4 .
وشعائر الحج تتم عند جبل عرفات ، وعند السعي بين الصفا والمروة وهما جبلان ، وفي الأثر : ( الحج وقفة وطواف ) ، أي : وقفة بجبل عرفات ، وطواف الإفاضة حول الكعبة .
والجبال أوتاد تحفظ الأرض وتحفظ توازنها .
قال تعالى : { والجبال أرساها } . ( النازعات : 32 ) .
وقال تعالى : { وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم . . . } ( الأنبياء : 31 ) .
ولأمر ما كانت الرسالات السماوية ونزول الوحي يتم عند الجبال ، حيث يتفرغ الإنسان لمقابلة مولاه ، متخلصا من الدنيا وزحامها ومشاغلها ، فقد نادى الله تعالى موسى عند جبل الطور ، ونزل وحي السماء أول مرة : { اقرأ } . في غار حراء ، وهو خلوة في أعلى جبل .
{ وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج } .
أنبتنا في الأرض صنوف النباتات ، والأزهار والثمار ، والحب والقضب ، والحدائق والبساتين ، والورود والنبات اليانع النضير .
{ والأرض مددناها } : أي بسطناها .
{ وألقينا فيها رواسي } : أي جبالا رواسي ثوابت لا تسير ولا تتحرك مثبتة للأرض كي لا تميد بأهلها .
{ وأنبتا فيها من كل زوج بهيج } : أي وأنبتنا في الأرض من كل صنف من أنواع النباتات حسن .
وقوله { والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي } أي مالهم لا ينظرون إلى الأرض أي بسطهh وألقى فيها الجبال لتثبيتها حتى لا تميد بهم . وقوله { وأنبتنا فيها من كل زوج } أي صنف من النباتات والزروع بهيج المنظر حسنه .
- مشروعية النظر والاعتبار فيما يحيط بالإِنسان من مظاهر الكون والحياة للعبرة طلبا لزيادة الإِيمان والوصول به إلى مستوى اليقين .
{ و } إلى { الأرض كيف مَدَدْنَاهَا } ووسعناها ، حتى أمكن كل حيوان السكون فيها والاستقرار والاستعداد{[814]} لجميع مصالحه ، وأرساها بالجبال ، لتستقر من التزلزل ، والتموج ، { وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } أي : من كل صنف من أصناف النبات ، التي تسر ناظرها ، وتعجب مبصرها ، وتقر عين رامقها ، لأكل بني آدم ، وأكل بهائمهم ومنافعهم ، وخص من تلك المنافع بالذكر ، الجنات المشتملة على الفواكه اللذيذة ، من العنب والرمان والأترج والتفاح ، وغير ذلك ، من أصناف الفواكه .
ولما دل سبحانه على تمام قدرته وكمال علمه وغير ذلك من صفات الكمال بآية السماء{[61099]} ، أتبع ذلك الدلالة على أنه لا يقال فيه داخل العالم ولا خارجه لأنه متصل به ولا منفصل عنه ، نبه على ذلك بالدلالة على آية الأرض ، وأخرها لأن السماء أدل على المجد الذي هذا سياقه ، لأنها أعجب صنعة وأعلى علوّاً وأجل مقداراً وأعظم أثراً ، وأن الأرض لكثرة الملابسة لها والاجتناء من ثمارها يغفل الإنسان عن دلالتها ، بما له في ذلك من الصنائع والمنافع ، فقال : { والأرض } أي المحيطة بهم { مددناها } أي جعلناها بما لنا من العظمة مبسوطة لا مسنمة . ولما كان الممدود يتكفأ ، قال : { وألقينا } بعظمتنا { فيها رواسي } أي جبالاً ثوابت كان سبباً لثباتها ، وخالفت عادة المراسي في أنها من فوق ، والمراسي تعالجونها أنتم من تحت .
ولما كان سكانها لا غنى لهم عن الرزق ، قال ممتناً عليهم : { وأنبتنا } بما لنا من العظمة { فيها } وعظم قدرتها بالتبعيض فقال : { من كل زوج } أي صنف من النبات تزاوجه أشكاله بأرزاقكم كلها { بهيج * } أي هو في غاية الرونق والإعجاب ، فكان - مع كونه رزقاً - متنزهاً .