في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ} (15)

1

ثم ترتفع نبرة العتاب حتى لتبلغ حد الردع والزجر : ( كلا ! ) . . لا يكن ذلك أبدا . . وهو خطاب يسترعي النظر في هذا المقام .

ثم يبين حقيقة هذه الدعوة وكرامتها وعظمتها ورفعتها ، واستغناءها عن كل أحد . وعن كل سند وعنايتها فقط بمن يريدها لذاتها ، كائنا ما كان وضعه ووزنه في موازين الدنيا : ( إنها تذكرة . فمن شاء ذكره . في صحف مكرمة . مرفوعة مطهرة . بأيدي سفرة . كرام بررة . ) . . فهي كريمة في كل اعتبار . كريمة في صحفها ، المرفوعة المطهرة الموكل بها السفراء من الملأ الأعلى ينقلونها إلى المختارين في الأرض ليبلغوها . وهم كذلك كرام بررة . . فهي كريمة طاهرة في كل ما يتعلق بها ، وما يمسها من قريب أو من بعيد . وهي عزيزة لا يتصدى بها للمعرضين الذين يظهرون الاستغناء عنها ؛ فهي فقط لمن يعرف كرامتها ويطلب التطهر بها . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ} (15)

1

المفردات :

في صحف : منتسخة من اللوح المحفوظ .

مكرمة : شريفة عند الله .

مرفوعة : رفيعة القدر والمنزلة عنده تعالى .

مطهرة : منزهة عن أيدي الشياطين ، وعن النقص .

بأيدي سفرة : كتبه من الملائكة ينسخونها من اللوح المحفوظ .

كرام : أعزّاء على الله تعالى .

بررة : أتقياء مطيعين لله تعالى ، وهم الملائكة .

التفسير :

13 ، 14 ، 15 ، 16- في صحف مكرّمة* مرفوعة مطهّرة* بأيدي سفرة* كرام بررة .

إن آيات القرآن مثبتة في صحف منتسخة من اللوح المحفوظ ، مكرّمة عند الله جل وعلا ، لما فيها من العلم والحكمة ، ولنزولها من اللوح المحفوظ .

مرفوعة مطهّرة . رفيعة القدر عند الله لاشتمالها على أصول العقائد والآداب والأخلاق ، مطهّرة . منزهة عن النقص والضلالة ، ومحفوظة من عبث الشياطين والكفار لا ينالونها .

بأيدي سفرة . محمولة بأيدي سفرة ، أي : وسائط من الملائكة يسفرون بين الله ورسله ، لتبليغ الوحي الإلهي للرسل الكرام .

قال تعالى : الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس . . . ( الحج : 75 ) .

وقال تعالى : نزل به الروح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين . ( الشعراء : 193 ، 194 ) .

كرام بررة .

مكرمين عند ربهم ، مطيعين له ، كرام على الله ، فيهم بر بالمؤمنين وعطف عليهم ، حيث إنهم يدعون الله أن يغفر للتائبين ، وأن يحفظهم من السيئات ، وأن يشملهم برحمته .

قال تعالى : بل عباد مكرمون . ( الأنبياء : 26 ) .

وقال سبحانه : لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . ( التحريم : 6 ) .

وقال عز شأنه : الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم* ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم* وقهم السيئات ومن اتق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم . ( غافر : 7-9 ) .

وتطلق السفرة على الملائكة لأنها تسفر بين الله وبين الرسل ، وكذلك تطلق على الرسل لأنها تحمل رسالة الله إلى الناس ، كلاهما يطلق عليه سفرة .

وقال ابن جرير الطبري :

والصحيح أن السفرة : الملائكة ، وهم السفرة بين الله تعالى وبين خلقه ، ومنه يقال : السفير ، أي : الذي يسعى بين الناس في الصلح والخير .

أخرج الجماعة ( أحمد وأصحاب الكتب الستة ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرؤه وهو عليه شاق ، له أجران )iii .

في ظلال القرآن

علّق صاحب الظلال بضع صفحات على صدر سورة عبس ، ذكر فيها أن الحق جل جلاله جعل هداية السماء عالية سامقة ، لا ينالها إلا من رغب فيها ، وقد استجابت نفس الرسول صلى الله عليه وسلم وانفعلت بهذا التوجيه ، واندفعت إلى قرار هذه الحقيقة في حياته كلها ، وفي حياة الجماعة المسلمة ، لقد كان الإسلام ميلادا جديدا للبشرية ، كميلاد الإنسان الأول .

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا الحادث يهش لابن أم مكتوم ويرعاه ، ويقول له كلما لقيه : ( أهلا بمن عاتبني فيه ربي ) ، وقد استخلفه مرتين بعد الهجرة على المدينة .

وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ، وجعل عمه حمزة ، ومولاه زيد بن حارثة أخوين ، وقد جعل زيدا أميرا في غزوة مؤتة ، وكان آخر أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمر أسامة بن زيد على جيش لغزو الروم ، يضم كثرة من المهاجرين والأنصار ، فيهم أبو بكر وعمر وزيراه وصاحباه ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( سلمان منّا أهل البيت )iv .

وأخرج الشيخان ، والترمذي ، عن أبي موسى قوله : قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا حينا ، وما نرى عبد الله بن مسعود وأمّه إلا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من كثرة دخولهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولزومهما لهv .

واستمر الخلفاء على هذا الهدى ، فمشى أبو بكر الصديق- وهو خليفة- يودّع بنفسه أسامة بن زيد ، ويقول : وما علي أن اغبر قدمي في سبيل الله ساعة . ثم يقول لأسامة : إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل .

ثم تمضي عجلة الزمن ، فنرى عمر بن الخطاب يولّى عمار بن ياسر على الكوفة .

ويقول عمر : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا . يعني بلالا ، الذي كان مملوكا لأمية بن خلف ، واشتراه أبو بكر وأعتقه .

وقد كان عبد الله يذكر ويذكر معه مولاه عكرمة ، وكان عبد الله بن عمر يذكر ويذكر معه مولاه نافع .

وتمتّع كثير من الموالي بتولي الفتيا مثل : الحسن البصري بالبصرة ، ومجاهد بن جبر ، وعطاء بن رباح وغيرهم .

وظل ميزان السماء يرجح بأهل التقوى ولو تجردوا من قيم الأرض كلها ، في اعتبار أنفسهم ، وفي اعتبار الناس من حولهم .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ} (15)

سَفَرة : الملائكة لأنهم السفراءُ بين الله تعالى ورسله الكرام .

{ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } من الملائكة الذين جعلهم الله سفراء بينه وبين رسُله . وهم { لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ] .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ} (15)

{ بأيدي سفرة } قال ابن عباس ومجاهد : كتبة ، وهم الملائكة الكرام الكاتبون ، واحدهم سافر ، يقال : سفرت أي كتبت . ومنه قيل للكاتب : سفر ، وجمعه : أسفار . وقال الآخرون : هم الرسل من الملائكة واحدهم سفير ، وهو الرسول ، وسفير القوم الذي يسعى بينهم للصلح ، وسفرت بين القوم إذا أصلحت بينهم .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ} (15)

" بأيدي سفرة " أي الملائكة الذين جعلهم الله سفراء بينه وبين رسله ، فهم بررة لم يتدنسوا بمعصية . وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : هي مطهرة تجعل التطهير لمن حملها " بأيدي سفرة " قال : كتبة . وقاله مجاهد أيضا . وهم الملائكة الكرام الكاتبون لأعمال العباد في الأسفار ، التي هي الكتب ، وأحدهم : سافر ، كقولك : كاتب وكتبة . ويقال : سفرت أي كتبت ، والكتاب : هو السفر ، وجمعه أسفار .

قال الزجاج : وإنما قيل للكتاب سفر ، بكسر السين ، وللكاتب سافر ، لأن معناه أنه يبين الشيء ويوضحه . يقال : أسفر الصبح : إذا أضاء ، وسفرت المرأة : إذا كشفت النقاب عن وجهها . قال : ومنه سفرت بين القوم أسفر سفارة : أصلحت بينهم . وقال الفراء ، وأنشد :

فما أدَعُ السِّفَارَةَ بينَ قَوْمِي *** ولا أمشي بغِشٍّ إن مَشَيْتُ

والسفير : الرسول والمصلح بين القوم والجمع : سفراء ، مثل فقيه وفقهاء . ويقال للوراقين سفراء ، بلغة العبرانية . وقال قتادة : السفرة هنا : هم القراء ؛ لأنهم يقرؤون الأسفار . وعنه أيضا كقول ابن عباس . وقال وهب بن منبه : " بأيدي سفرة . كرام بررة " هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . قال ابن العربي : لقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة ، كراما بررة ، ولكن ليسوا بمرادين بهذه الآية ، ولا قاربوا المرادين بها ، بل هي لفظة مخصوصة بالملائكة عند الإطلاق ، ولا يشاركهم فيها سواهم ، ولا يدخل معهم في متناولها غيرهم . وروي في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ مثل ]{[15803]} الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له ، مع السفرة الكرام البررة ، ومثل الذي يقرؤه وهو يتعاهده ، وهو عليه شديد ، فله أجران ] متفق عليه ، واللفظ للبخاري .


[15803]:الزيادة من صحيح البخاري.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ} (15)

وعلق أيضاً-{[71657]} بمثبت {[71658]}بالفتح أو الكسر{[71659]} على اختلاف المعنيين - قوله مبيناً شرف ذلك الظرف لذلك الظرف إشارة إلى نهاية الشرف للمظروف : { بأيدي سفرة * } أي كتبة يظهرون الكتابة بما فيها من الأخبار الغريبة والأحكام العلية في كل{[71660]} حال ، فإن كان{[71661]} ما تعلق به الجار بالفتح فهو حقيقة في أنهم ملائكة يكتبونه من{[71662]} اللوح المحفوظ ، أو يكون جمع سافر إما بمعنى الكاتب أو المسافر أي-{[71663]} القطع للمسافة أو السفير الذي هو-{[71664]} المصلح لأنهم سفراء بين الله وأنبيائه ، وبهم يصلح أمر الدين والدنيا ، وإن كان بالكسر فهو مجاز لأن من أقبل على كتابة الذكر يكون مهذباً في الحال {[71665]}أو في{[71666]} المآل في الغالب ، وتركيب سفر للكشف{[71667]}


[71657]:زيد من م.
[71658]:من ظ و م، وفي الأصل: الفتح وبالكسر.
[71659]:من ظ و م، وفي الأصل: بالفتح وبالكسر.
[71660]:زيد من ظ و م.
[71661]:من م وفي الأصل و ظ: كل.
[71662]:من ظ و م، وفي الأصل: في.
[71663]:زيد من ظ و م.
[71664]:زيد من ظ و م.
[71665]:من ظ و م، وفي الأصل: "و".
[71666]:من ظ و م، وفي الأصل: "و".
[71667]:زيد في الأصل: هو، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.