مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ} (15)

قوله تعالى : { بأيدي سفرة كرام بررة } وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : أن الله تعالى وصف الملائكة بثلاثة أنواع من الصفات :

أولها : أنهم سفرة وفيه قولان ، ( الأول ) : قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل وقتادة : هم الكتبة من الملائكة ، قال الزجاج : السفرة الكتبة واحدها سافر مثل كتبة وكاتب ، وإنما قيل للكتبة : سفرة وللكاتب سافر ، لأن معناه أنه الذي يبين الشيء ويوضحه يقال : سفرت المرأة إذا كشفت عن وجهها ( القول الثاني ) : وهو اختيار الفراء أن السفرة ههنا هم الملائكة الذين يسفرون بالوحي بين الله وبين رسله ، واحدها سافر ، والعرب تقول : سفرت بين القوم إذا أصلحت بينهم ، فجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله وتأديته ، كالسفير الذي يصلح به بين القوم ، وأنشدوا :

وما أدع السفارة بين قومي *** وما أمشي بغش إن مشيت

واعلم أن أصل السفارة من الكشف ، والكاتب إنما يسمى سافرا لأنه يكشف ، والسفير إنما سمي سفيرا أيضا لأنه يكشف ، وهؤلاء الملائكة لما كانوا وسايط بين الله وبين البشر في البيان والهداية والعلم ، لا جرم سموا سفرة .