في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضَ فَرَشۡنَٰهَا فَنِعۡمَ ٱلۡمَٰهِدُونَ} (48)

ومثلها الإشارة الأخرى إلى الأرض الممهودة المفروشة :

( والأرض فرشناها فنعم الماهدون ) . .

فقد أعد الله هذه الأرض لتكون مهدا للحياة كما أسلفنا . والفرش يوحي باليسر والراحة و العناية . وقد هيئت الأرض لتكون محضنا ميسرا ممهدا ، كل شيء فيه مقدر بدقة لتيسير الحياة وكفالتها : ( فنعم الماهدون ) . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضَ فَرَشۡنَٰهَا فَنِعۡمَ ٱلۡمَٰهِدُونَ} (48)

47

المفردات :

فرشناها : بسطناها ، ومهَّدناها ، من مهدتُ الفراش : إذا بسطته ووطأته .

تمهيد الأمور ، تسويتها وإصلاحها .

التفسير :

48- { وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ } .

جعل الله السماء سقفا مرفوعا ، وجعل الأرض فراشا ممهدا للإنسان ، يحيا عليها الإنسان والحيوان والنبات ، والطيور والزواحف والحشرات وغيرها ، وفي هذه الأرض أرزاق وأقوات ومنافع متعددة ، فمن طينة الأرض يتخذ الإنسان المساكن والحصون ، ومن معادن الأرض الظاهرة والباطنة يصنع الحليّ والسلاح ، وآلات الحرب والسفن والطائرات .

وفي القرآن الكريم ما يفيد أنَّ الأرض خلقت أولا ، ثم خلقت السماء ثانيا كما نجد ذلك في سورة فصلت .

قال تعالى : { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ . } ( فصلت : 9-12 ) .

وفي سورة النازعات نجد ما يفيد أن السماء خلقت أولا ، ثم دحيت الأرض .

قال تعالى : { أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ . } ( النازعات : 27-33 ) .

ويمكن الجمع بين الآيات على النحو التالي :

( أ‌ ) خلق الله الأرض أولا غير مدحوّة .

( ب‌ ) خلق السماء ثانيا بعد خلق الأرض .

( ت‌ ) دحا الأرض بعد خلق السماء ، أي خلق فيها البحار والأنهار والجبال ، وجعلها أقرب إلى شكل البيضة ، فهي منبعجة ومتسعة عند خط الاستواء ، وهي مفرطحة عند القطبيين ، أي غير كاملة الاستدارة .

قال تعالى : { أو لم يروا أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها . . . }( الرعد : 41 ) .

هذا ما ذكره المفسرون القدامى في الجمع بين الآيات المختلفة .

أما المفسرون المحدثون ، والعلماء المعاصرون فيرون الآتي :

1- الكون كلُّه كان كرة ملتهبة غير صالحة لحياة الإنسان عليها .

2- مرت ستة بلايين سنة ، هدأت فيها هذه الكرة ، وانفصلت السماء وارتفعت ، وانفصلت الأرض وانبسطت ورست عليها الجبال والبحار والأنهار .

3- مرَّ خلق الكون بست مراحل ، كانت السماء رخوة هلامية أشبه بالدخان ، ثم تماسكت وهدأت قشرتها وتفتّقت بالمطر ، وهدأت قشرة الأرض وتماسكت ، وتفتقت بالنبات ، ووجد خلق وسيط بين السماء والأرض هو الهواء ، ووجد الحجاب الحاجز بين الأرض والسماء ، الذي يحمي الأرض من ملايين الشهب والنيازك ، ويحفظ الأرض في درجة معينة من الحرارة والرطوبة .

4- تمَّ إعمار الكون وتنسيقه بحيث تكون الأرض مائدة عامرة بالأرزاق والماء والخيرات .

5- تدخلت يد القدرة الإلهية في كل مرحلة من مراحل تكامل الخلق وتوازنه ، ومن أمثلة ذلك ما يأتي :

( أ‌ ) الإنسان يستنشق الأكسجين ، ويخرج ثاني أكسيد الكربون ، والنبات يستنشق ثاني أكسيد الكربون ويخرج الأكسجين ، ولو وجد النبات وحده لذبل ، ولو وجد الإنسان وحده لاضمحل ومات .

( ب‌ ) نسبة الأكسجين في الهواء 21% ولو زاد عن هذه النسبة لكثرت الحرائق ، بحيث تكون شرارة واحدة في الغابة كافية لإحراق الغابة كلها ، ولو نقصت هذه النسبة في الهواء لاقترب الإنسان من الاختناق ، ولضعف التمدّن الإنساني والاختراع والابتكار .

( ث‌ ) لو اقتربت الشمس منا أكثر مما هي عليه لذاب الجليد في المحيطات ، وغرقت الأرض بمياه البحار ، ولو ابتعدت الشمس عنا أكثر مما هي عليه لتجمَّدت مياه المحيطات ، وتعطلت الملاحة ، واشتد البرد ، وفقدت الحياة توازنها ، كل ذلك يدل على أن وراء الكون يد القدرة الإلهية التي تحفظ توازنه ، وتمسكه من الانهيار والهلاك ، إلى الوقت المعلوم الذي ينتهي فيه عمر هذا الكون ، فتنشقّ السماء ، وتزلزل الأرض ، وتنكدر النجوم ، وتصبح الشمس من النجوم القزمة التي فقدت توهجها ، وينتهي عمر الدنيا وتبدأ مراحل الآخرة .

6- أشار القرآن الكريم إلى أن السماء كانت رتقاء صمَّاء لا تمطر ، وأن الأرض كانت رتقاء صمَّاء لا تنبت النبات ، ففتق الله السماء بالمطر ، وفتق الأرض بالنبات ، وجعل الماء من أسباب الحياة ، وبدونه يكون التصحّر .

قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } . ( الأنبياء : 30-33 ) .

7- الكون كله مرّ في خلقه بست مراحل ، عبّر عنها بستة أيام ، وفي حوالي شهر أبريل سنة 1994م . انعقد مؤتمر علمي في الولايات المتحدة الأمريكية للبحث في عمر الكون ، وذكر أن عمر الكون 13 بليون سنة ، وأن عمر الإنسان على هذه الأرض 7 بلايين سنة ، وأن الكون مكث 6 بلايين سنة كرة ملتهبة غير صالحة لحياة الإنسان ، ثم وجد الإنسان في هذا الكون من 7 بلايين سنة .

هذا مجرد اجتهاد بشري ، والمجتهد إن أخطأ له أجر واحد هو أجر الاجتهاد ، وإن أصاب فله أجران ، أجر الاجتهاد وأجر موافقة الصواب ، أما كتاب الله تعالى فقد تكفل الله بحفظه ، وهو معجز للبشر ، وإعجازه أنه لم يصطدم بأيّ حقيقة علمية ، بل كأن العلم ينزع إلى تأييد القرآن وإثبات أنه من عند الله .

ونحن نذكر هذه المعلومات بجوار تفسير الآيات للاستئناس بها ، لا لتكون حكما على الآية ، فكتاب الله إمام للبشرية كلها ، والله ولي التوفيق .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضَ فَرَشۡنَٰهَا فَنِعۡمَ ٱلۡمَٰهِدُونَ} (48)

والأرضَ فرشناها : مهّدناها كالفراش ليعيش الناس عليها .

فنِعم الماهدون : فنعم المهيّئون لها نحن .

وإن الله تعالى فرشَ لنا هذه الأرضَ ومدّها لنا لنعيشَ عليها بأمانٍ وسلام ،

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضَ فَرَشۡنَٰهَا فَنِعۡمَ ٱلۡمَٰهِدُونَ} (48)

شرح الكلمات :

{ والأرض فرشناها } : أي مهّدناها فجعلناها كالمهاد أي الفراش الذي يوضع على المهد .

{ فنعم الماهدون } : أي نحن أثنى الله تعالى على نفسه بفعله الخيريّ الحسن الكبير .

المعنى :

ومظهر ثانٍ هو في قوله : { والأرض فرشناها فنعم الماهدون } والأرض فرشها بساطاً ومهدها مهاداً فنعم الماهدون نحن نعم الماهد الله تعالى لها إذ غيره لا يقدر على ذلك ولا يتأتى له .

الهداية

من الهداية :

- تقرير التوحيد والبعث بمظاهر القدرة الإِلهية التي لا يعجزها شيء ومظاهر العلم والحكمة المتجلية في كل شيء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضَ فَرَشۡنَٰهَا فَنِعۡمَ ٱلۡمَٰهِدُونَ} (48)

{ وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا } أي : جعلناها فراشًا للخلق ، يتمكنون فيها من كل ما تتعلق به مصالحهم ، من مساكن ، وغراس ، وزرع ، وحرث وجلوس ، وسلوك للطرق الموصلة إلى مقاصدهم ومآربهم ، ولما كان الفراش ، قد يكون صالحًا للانتفاع من كل وجه ، وقد يكون من وجه دون وجه ، أخبر تعالى أنه مهدها أحسن مهاد ، على أكمل الوجوه وأحسنها ، وأثنى على نفسه بذلك فقال : { فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ } الذي مهد لعباده ما اقتضته [ حكمته ] ورحمته وإحسانه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضَ فَرَشۡنَٰهَا فَنِعۡمَ ٱلۡمَٰهِدُونَ} (48)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{و} في {والأرض} آية {فرشناها}... {فنعم الماهدون} يعني الرب تعالى نفسه...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"والأرْضَ فَرَشْناها "يقول تعالى ذكره: والأرض جعلناها فراشا للخلق.

"فَنِعْمَ المَاهِدونَ" يقول: فنعم الماهدون لهم نحن.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{والأرض فرشناها فنِعم الماهدون} أي بسطناها، ومهدناها.

{فنعم الماهدون} لكم الأرض حين مهدها لكم مبسوطة مفترشة؛ يجدونها كذلك ما كانوا، وأينما كانوا من غير تكلُّف، ويستعملونها كيف شاءوا في أي منتفعة شاءوا، والله أعلم.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أي جعلناها مهاداً لكم ثم أثنى على نَفْسه قائلاً: {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ}. دلَّ بهذا كلَّه على كمال قدرته، وعلى تمام فضله ورحمته...

فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :

وتمهيد الأمور: تسويتها وإصلاحها.

مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير لابن باديس 1359 هـ :

المعنى: إن الأرض التي أنتم متمكنون من الوجود على ظهرها، والسير في مناكبها والانتفاع بخيراتها، نحن فرشناها لكم، وهيأنا لكم أسباب الحياة والسعادة فيها، على أكمل وجه وأنفعه وأبدعه، مما نستحق به منكم الحمد والثناء.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا} أي مهّدناها وسهّلنا سبل الحياة فيها بمستوى يوفر لكل المخلوقات الحية وفي طليعتها الإنسان راحة العيش واطمئنانه، لما أودعه الله فيها من عناصر تتوقف عليها الحياة في باطنها وظاهرها، وفي جميع مفرداتها الحية وغير الحية، ما يجعل كل شيءٍ يتغذى ويستعين بشيء آخر، وبذلك تكون كلمة التمهيد كنايةً عن تسهيل العيش براحة طبيعية، {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} نحن، ما يفتح للإِنسان نافذةً للتفكير بعلاقة حياته بالله وارتباطها به، بحيث يشعر بعمق الحاجة إليه في كل أموره وأوضاعه، ليعيش حضور الله في كل مفردات الحياة في الأرض بطريقة مباشرةٍ أو غير مباشرة.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضَ فَرَشۡنَٰهَا فَنِعۡمَ ٱلۡمَٰهِدُونَ} (48)

" والأرض فرشناها " أي بسطناها كالفراش على وجه الماء ومددناها . " فنعم الماهدون " أي فنعم الماهدون نحن لهم{[14257]} . والمعنى في الجمع التعظيم ، مهدت الفراش مهدا بسطته ووطأته ، وتمهيد الأمور تسويتها وإصلاحها .


[14257]:لفظة "لهم" ساقطة من ز.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلۡأَرۡضَ فَرَشۡنَٰهَا فَنِعۡمَ ٱلۡمَٰهِدُونَ} (48)

{ والأرض فرشناها } كذلك بما لنا من العظمة ، فصارت ممهدة جديرة بأن يستقر عليها الأشياء وهي آية على تمهيدنا لأرض الجنة وشقنا لأنهارها وغرسنا لأشجارها { فنعم } أي فتسبب عن ذلك أن يقال في وصفنا : نعم { الماهدون * } أي نحن لكمال قدرتنا ، فما نزل من السماء شيء ولا نبع من الأرض شيء إلا بإرادتنا وتقديرنا واختيارنا من الأزل لأنا إذا صنعنا شيئاً علمنا ما يكون منه من حين إنشائه إلى حين إنباته ، ولا يكون شيء منه إلا بتقديرنا ، وذلك تذكير بالجنة والنار ، فما فوقها من خير فهو آية على الجنة ، وما فيها من جبال ووهاد وعر وخروبة فهو آية على النار .