ثم يختم هذا المقطع بتقرير حقيقة الوحدانية التي ينكرونها ويكذبونها ، ويقرر شأن المؤمنين بالله في تعاملهم مع الله :
( الله لا إله إلا هو ، وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) . .
وحقيقة التوحيد هي أساس التصور الإيماني كله . ومقتضاها أن يكون التوكل عليه وحده . فهذا هو أثر التصور الإيماني في القلوب .
وبهذه الآية يدخل السياق في خطاب المؤمنين . فهي وصلة بين ما مضى من السورة وما يجيء .
13- { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } .
الله عز وجل هو خالق الأكوان ، وهو الإله الحق ، لا معبود بحق سواه ، ولا إله إلا الله ، وكل ما خلاه باطل ، فالأصنام والأوثان ، وعزير والمسح والملائكة ، والبقر والشجر ، والشمس والقمر والنجوم ، كلها مخلوقات لله ، مربوبة له ، فهو الإله الواحد ، وكل ما سواه مخلوق مربوب عبد لله .
قال تعالى : { ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين } . ( الأعراف : 54 ) .
{ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } .
التوكل هو الاعتماد على الله والالتجاء إليه ، والثقة بقدرته ، والركون والاعتماد عليه ، بعد الأخذ بالأسباب .
والتوكل غير التواكل ، فالمتوكل هو من يبذر البذرة ، ويعتمد على الله في إنضاج الثمرة .
فالمؤمن مطالب بالأخذ بالأسباب ، وفي نفس الوقت مطالب باليقين الكامل بأن مسبب الأسباب هو الله تعالى ، وبذلك يكون التوكّل على الله طاقة إيجابية تحتاج أمرين رئيسيين في وقت واحد :
الأول : العمل اللازم مع إتقانه والرقي به .
قال تعالى : { إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملا } . ( الكهف : 30 ) .
الثاني : التوكل على الله ، والثقة به ، واليقين بنصره ، والتضرع إليه والاعتماد عليه .
{ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } .
وقريب من هذه الآية قوله تعالى في سورة إبراهيم :
{ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( 11 ) وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } . ( إبراهيم : 11-12 ) .
{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } أي : هو المستحق للعبادة والألوهية ، فكل معبود سواه فباطل ، { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } أي : فيلعتمدوا{[1125]} عليه في كل أمر نابهم ، وفيما يريدون القيام به ، فإنه لا يتيسر أمر من الأمور إلا بالله ، ولا سبيل إلى ذلك{[1126]} إلا بالاعتماد على الله ، ولا يتم الاعتماد على الله ، حتى يحسن العبد ظنه بربه ، ويثق به في كفايته الأمر الذي اعتمد عليه به ، وبحسب إيمان العبد يكون توكله ، فكلما قوي الإيمان قوي التوكل{[1127]} .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول جلّ ثناؤه: معبودكم أيها الناس معبود واحد لا تصلح العبادة لغيره ولا معبود لكم سواه.
"وَعَلى الله فَلْيَتَوَكّل المُؤمِنُون" يقول تعالى ذكره: وعلى الله أيها الناس فليتوكل المصدّقون بوحدانيته...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
التوكل هو تفويض الأمر إلى الله بأنه يتولاه على الحق فيه، وقد أمر الله بالتوكل عليه، فينبغي للمسلم أن يستشعر ذلك في سائر أحواله...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{وعلى الله فليتوكل المؤمنون} تحريض للمؤمنين على مكافحة الكفار والصبر على دين الله...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{الله} أي المحيط بجميع صفات الكمال {لا إله إلا هو} فهو القادر على الإقبال بهم ولا يقدر على ذلك غيره، فإليه اللجاء في كل دفع ونفع وهو المستعان في كل شأن فإياه فليرج في هدايتهم المهتدون {وعلى الله} أي الذي له الأمر كله لا على غيره...
{فليتوكل المؤمنون} أي يوجد التوكيل إيجاداً هو في غاية الظهور والثبات العريقون في هذا الوصف...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
أي: فيلعتمدوا عليه في كل أمر نابهم، وفيما يريدون القيام به، فإنه لا يتيسر أمر من الأمور إلا بالله، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالاعتماد على الله، ولا يتم الاعتماد على الله، حتى يحسن العبد ظنه بربه، ويثق به في كفايته الأمر الذي اعتمد عليه به، وبحسب إيمان العبد يكون توكله، فكلما قوي الإيمان قوي التوكل...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
حقيقة التوحيد هي أساس التصور الإيماني كله. ومقتضاها أن يكون التوكل عليه وحده. فهذا هو أثر التصور الإيماني في القلوب. وبهذه الآية يدخل السياق في خطاب المؤمنين. فهي وصلة بين ما مضى من السورة وما يجيء...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
هذا تذكير للمؤمنين بما يعلمونه. أي من آمن بأن الله لا إله إلا هو كان حقاً عليه أن يطيعه وأن لا يعبأ بما يصيبه في جانب طاعة الله من مصائب وأذى... وافتتاح الجملة باسم الجلالة إظهار في مقام الإضمار إذ لم يقُل هو لا إِله إلاّ هو لاستحضار عظمة الله تعالى بما يَحويه اسم الجلالة من معاني الكمال...
{وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون}...
وتقدم المجرور لإِفادة الاختصاص، أي أن المؤمنين لا يتوكلون إلا على الله...
والإِتيان باسم الجلالة في قوله: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} إظهار في مقام الإِضمار لتكون الجملة مستقلة فتسيرَ مَسرى المثَل...
ولما كان هذا موجعاً{[65834]} لإشعاره بإعراضهم مع عدم الحيلة في ردهم ، عرف بأن ذلك إنما هو إليه وأنه{[65835]} القادر عليه فقال جواباً لمن كأنه قال : فما الحيلة في أمرهم - مكملاً لقسمي الدين بالاستعانة بعد بيان قسمه الآخر وهو العبادة : { الله } أي المحيط بجميع صفات الكمال { لا إله إلا هو } فهو القادر على الإقبال بهم{[65836]} ولا يقدر على ذلك غيره ، فإليه اللجاء في كل دفع ونفع وهو المستعان في كل شأن فإياه فليرج في هدايتهم المهتدون { وعلى الله } أي الذي له الأمر كله لا على غيره . ولما كان مطلق{[65837]} الإيمان هو التصديق بالله باعتقاد أنه القادر على كل شيء فلا أمر لأحد معه ولا كفوء له فكيف بالرسوخ فيه ، نبه على هذا{[65838]} المقتضي{[65839]} للربط بالفاء والتأكيد بلام الأمر في قوله : { فليتوكل المؤمنون * } أي يوجد التوكيل إيجاداً هو في غاية الظهور والثبات العريقون في هذا الوصف في رد المتولي منهم إن حصل منهم تول وكذا في كل مفقود فالعفة{[65840]} ليست مختصة بالموجود فكما أن قانون العدل في الموجود الطاعة فقانون العدل في المفقود التوكل وكذا فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، فكان لهم الحظ الأوفر في كل توكل لا سيما حين ارتدت{[65841]} العرب بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وكان أحقهم بهذا الوصف الصديق رضي الله تعالى عنه كما يعرف ذلك من ينظر الكتب المصنفة في السير وأخبار الردة لا سيما كتابي المسمى العدة في أخبار الردة .