التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (13)

{ اللَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ } .

جملة معترضة بين جملة { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول } [ التغابن : 12 ] وجملة : { وعلى الله فليتوكل المؤمنون .

واسم الجلالة مبتدأ وجملة : الله لا إله إلا هو } خبر . وهذا تذكير للمؤمنين بما يعلمونه . أي من آمن بأن الله لا إله إلا هو كان حقاً عليه أن يطيعه وأن لا يعبأ بما يصيبه في جانب طاعة الله من مصائب وأذى كما قال حُبيب بن عدي :

لستُ أبالي حين أُقتل مسلماً *** على أيّ جنب كان لله مصرعي

ويجوز أن تكون جملة { الله لا إله إلا هو } في موقع العلة لجملة { وأطيعوا الله } [ التغابن : 12 ] وتفيد أيضاً تعليل جملة { وأطيعوا الرسول } [ التغابن : 12 ] لأن طاعة الرسول ترجع إلى طاعة الله قال تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } [ النساء : 80 ] .

وافتتاح الجملة باسم الجلالة إظهار في مقام الإضمار إذ لم يقُل هو لا إِله إلاّ هو لاستحضار عظمة الله تعالى بما يَحويه اسم الجلالة من معاني الكمال ، ولتكون الجملة مستقلة بنفسها فتكون جارية مجرى الأمثال والكلممِ الجوامع .

{ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون } .

عطف على { وأطيعوا الله } فهو في معنى : وتوكلوا على الله ، فإن المؤمنين يتوكلون على الله لا على غيره وأنتم مؤمنون فتوكلوا عليه .

وتقدم المجرور لإِفادة الاختصاص ، أي أن المؤمنين لا يتوكلون إلا على الله .

وجيء في ذلك بصيغة أمر المؤمنين بالتوكل على الله دون غيره ربطاً على قلوبهم وتثبيتاً لنفوسهم كيلا يأسفوا من إعراض المشركين وما يصيبهم منهم وأن ذلك لن يضرهم .

فإن المؤمنين لا يعتزُّون بهم ولا يتقوون بأمثالهم ، لأن الله أمرهم أن لا يتوكلوا إلا عليه ، وفيه إيذان بأنهم يخالفون أمر الله وذلك يغيظ الكافرين .

والإِتيان باسم الجلالة في قوله : { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } إظهار في مقام الإِضمار لتكون الجملة مستقلة فتسيرَ مَسرى المثَل ، ولذلك كان إظهار لفظ { المؤمنون } ولم يقل : وعلى الله فليتوكلوا ، ولما في { المؤمنون } من العموم الشامل للمخاطبين وغيرهم ليكون معنى التمثيل .