13 ، 14- { أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين * ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون } .
كيف يتذكر هؤلاء ربهم ، ويصدقون في إيمانهم وجبلتهم وطبيعتهم الإمعان في الكفر والعناد ، فقد جاءهم رسول كريم ، مؤيد بالوحي والقرآن الذي يزلزل الجبال ، ويؤثر في الصم الشداد ، وتخشع له الحجارة الصماء ، ومع كل ذلك أعرضوا عن القرآن والإيمان والرسول المؤيد بالمعجزات .
وقالوا : { معلم } . يعلمه فتى أعجمي عند أحد بني ثقيف .
{ مجنون } . تأتيه نوبة من الجنون ، فيهرتق بما لا يعرف ، لأنهم رأوا القرآن فوق طاقتهم وفوق طاقة البشر ، فنسبوه إلى الشعر وإلى الجنون ، ولو أنصفوا لقالوا : إنه وحي السماء ، وكلام الله العلي القدير .
قال الإمام فخر الدين الرازي في التفسير الكبير :
إن كفار مكة كان لهم في ظهور القرآن على يد محمد صلى الله عليه وسلم قولان :
منهم من كان يقول : إن محمدا يتعلم هذا الكلام من بعض الناس ، ومنهم من كان يقول : إنه مجنون ، والجن تلقي عليه هذا الكلام حال تخبطه . اه .
ويؤيده أيضا أنه قال في هذه الآية : { أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ } وهذا يقال يوم القيامة للكفار حين يطلبون الرجوع إلى الدنيا فيقال : قد ذهب وقت الرجوع .
وقيل : إن المراد بذلك ما أصاب كفار قريش حين امتنعوا من الإيمان واستكبروا على الحق فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : { اللهم أعني عليهم بسنين كسني يوسف } فأرسل الله عليهم الجوع العظيم حتى أكلوا الميتات والعظام وصاروا يرون الذي بين السماء والأرض كهيئة الدخان وليس به ، وذلك من شدة الجوع .
فيكون -على هذا- قوله : { يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ } أن ذلك بالنسبة إلى أبصارهم وما يشاهدون وليس بدخان حقيقة .
ولم يزالوا بهذه الحالة حتى استرحموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يدعو الله لهم أن يكشفه الله عنهم فدعا ربه فكشفه الله عنهم ، وعلى هذا فيكون قوله :
ولما كان كشف الآيات وإظهار العذاب لا يفيد في الدلالة على الحق أكثر مما أفاده الرسول صلى الله عليه وسلم بما أقامه من المعجزات بل إفادة الرسول أعظم ، أجيب من{[57363]} كأنه سأل عن حالهم عند ذلك بقوله معرضاً عن خطابهم ، إيذاناً بدوام مصابهم ، لئلا يظن ظان أنه ما كشف عنهم العذاب إلا لظن أنهم صادقون : { أنى } أي كيف ومن أين { لهم الذكرى } أي هذا التذكر{[57364]} العظيم الذي وصفوا به{[57365]} أنفسهم { وقد } أي والحال أنه{[57366]} قد { جاءهم } ما هو أعظم من ذلك بما لا يقايس { رسول مبين * } أي ظاهر غاية الظهور أنه رسولنا ، وموضح غاية الإيضاح لما جاء به عنا بما أظهر من الآيات ، وغير ذلك من الدلالات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.