مارد : المارد والمريد ، خارج على الطاعة ، من قولهم : شجر أمرد ، إذا تعرى من الورق .
7- { وحفظا من كل شيطان مارد } .
أي : جعل الله النجوم زينة للسماء ، وهداية للسائرين في البر والبحر ، ولها وظيفة ثالثة ، وهي حفظ غيب السماء وحديث الملائكة من تلصص الجن عليه .
وفي السنة الصحيحة ، أن الجنّ كانوا إذا أرادوا معرفة غيب السماء ، أو مستقبل بعض الناس في الأرض ، كانوا يرصّون بعضهم فوق بعض ، فيضع جنّي قدميه فوق أكتاف جني آخر ، ويضع الجني الثالث قدميه فوق أكتاف الجني الثاني وهكذا ، حتى يستطيع الجني الأخير سماع أصوات الملائكة ، والتقاط حديث الملائكة عن أمور الخلائق في هذه الدنيا ، ثم ينزل الجني الأخير فيخبر الكهّان بأخبار السماء ، ثم يكذب الكاهن مع هذا الخبر الصادق مائة كذبة ، فإذا لامه الناس على كذبه ، قال ألم أخبركم بخبر صادق يوم كذا وكذا ، فلما أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم شُدّت الحراسة على السماء ، فمن حاول استماع أخبار السماء أو التقاط أخبارها : أصابه شهاب ثاقب ، أي نجم مضيء يصيب الجنيّ الذي استرق السمع ، فيقتله أو يخبله ، فلما شاهد ذلك رئيس الجنّ قال لأتباعه : انطلقوا في الأرض فانظروا ماذا حدث فيها حتى نعرف السبب في تشديد الحراسة على السماء ، والرمي بالشهب لمن أراد استراق السمع . فانطلق آلاف الجن إلى مكة ، فاستمعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم من صلاة الفجر ، فآمنوا به ، وقد نزلت الآيات الأولى من سورة الجنّ في هذا المعنى .
حيث يقول سبحانه وتعالى : { قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا } . [ الجن : 1 ، 2 ] .
ويقول سبحانه وتعالى على لسان الجن : { وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا* وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له ، شهابا رصدا * وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أو أراد بهم ربهم رشدا* وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا } . [ الجن 8-11 ] .
وتفيد الآيات أن الجن طوائف وفرق كثيرة ، منهم الصالح المطيع ، ومنهم العاصي المتمرد ، ومنهم الذكي ومنهم الغبيّ ، وقد تحدث القرآن عن الجنّ ، كما تحدثت السنة الصحيحة عن الجن ، ومن ذلك أن الله تعالى سخر الجن لسليمان تبنى له ما يشاء من محاريب وتماثيل وقصاع كبيرة ، وقدور كبيرة راسية في أماكنها ، واستمرت الجن في خدمة سليمان ، حتى بعد موته لحكمة أرادها الله : حتى يتيقن الجميع أنهم لا يعلمون الغيب .
قال تعالى : { فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته ، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين } . [ سبأ : 14 ] .
والجنّ يستغلون السذّج والبسطاء من الناس ، ويستغفلونهم ويزيدونهم رهقا ، ولا سلطان للشياطين على المؤمنين الأقوياء ، الذين يستعيذون بالله من الشيطان الرجيم .
ومن وسائل الحفظ من الجن ما يأتي :
2- قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة " البقرة " .
3- قراءة " قل هو الله أحد " و " المعوذتين " .
4- اليقين الجازم بأن الله هو النافع الضار ، وأن أحدا لا ينفع أو يضّر إلا بإذن الله وحده .
قال تعالى : { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله . . . } [ البقرة : 102 ] .
والمؤمن المتحصّن بطاعة الله وذكره ، وقراءة أدعية من القرآن الكريم والسنّة المطهرة في حرز حصين ، والذي يجري وراء الدجالين والمشعوذين ، يتعرض للاضطراب والإحباط والاستغلال ، لأن الجن نفسها تشمت في الإنسان الذي يتحصن بها ويلجأ إليها ، فتزيده خبالا .
قال تعالى : { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادهم رهقا } . [ الجن : 6 ] .
1- { حسبنا الله ونعم الوكيل } . [ آل عمران : 173 ] .
2- { وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد } . [ غافر : 44 ] .
3- { فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين } . [ يوسف : 64 ] .
1- " أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر " {[537]} .
2- " أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة " {[538]} .
3- " أعيذك بكلمات الله التامات المباركات ، ما علمت منها وما لم أعلم ، ومن شر ما ينزل في الأرض وما يخرج منها ، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان " {[539]} .
وفي السنة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ " قل هو الله أحد " والمعوذتين 3 مرات كل يوم ، ويتفل في يديه ، ويمسح بهما وجهه وما أقبل من صدره ، ويفعل مثل ذلك صباح كل يوم .
ومن السنة أن يقول كل يوم : " اللهم إني أسال خير هذا اليوم وخير ما فيه ، وأعوذ بك من شره وشر ما فيه " {[540]} .
{ وحفظا من كل شيطان مارد } . وحفظنا السماء حفظا بتلك الكواكب ، ومن عفريت من الجنّ شرير متمرد خارج على الطاعة ، حيث تنزل منها الشهب ، فتحرق من يحاول استراق السمع .
ولما كان كون الشيء الواحد لأشياء متعددة أدل على القدرة وأظهر في العظمة ، قال دالاً بالعطف على غير معطوف عليه ظاهر على مقدر يدل على أن الزينة بالنجوم أمر مقصود لا اتفاقي : { وحفظاً } أي زيناها بها للزينة وللحفظ { من كل شيطان } أي بعيد عن الخير محترق . ولما كان القصد التعميم في الحفظ من كل عاتٍ سواءٍ كان بالغاً في العتو أو لا قال : { مارد * } أي مجرد عن الخير عاتٍ في كل شر سواء كان بالغاً في ذلك أقصى الغايات أو كان في أدنى الدرجات كضارب وضراب .