ويختصر السياق هنا حلقات كثيرة من القصة ، ليصل إلى قرب النهاية . حين وصلت التجربة إلى نهايتها ؛ وأحس موسى أن القوم لن يؤمنوا له ولن يستجيبوا لدعوته ؛ ولن يسالموه أو يعتزلوه . وبدا له إجرامهم أصيلاً عميقاً لا أمل في تخليهم عنه . عند ذلك لجأ إلى ربه وملاذه الأخير :
( فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون ) . .
وماذا يملك الرسول إلا أن يعود إلى ربه بالحصيلة التي جنتها يداه ? وإلا أن ينفض أمره بين يديه ، ويدع له التصرف بما يريد ?
وتلقى موسى الإجابة إقراراً من ربه لما دمغ به القوم . . حقاً إنهم مجرمون . .
22- { فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون } .
طال مكث موسى بينهم ، وقدم إليهم حجج الله تعالى عليهم ، وما زادهم ذلك إلا كفرا وعنادا ، فدعا الله أن ينتقم منهم ، فاستجاب الله دعاءه فيهم .
كما قال تبارك وتعالى : { وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ( 88 ) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ( 89 ) } . ( يونس : 88 ، 89 ) .
وهكذا كان دعاؤه هنا ، ومعناه : إن هؤلاء قوم مجرمون ، يستحقون تعجيل العذاب .
فلم تحصل منهم المرتبة الأولى ولا الثانية بل لم يزالو متمردين عاتين على الله محاربين لنبيه موسى عليه السلام غير ممكنين له من قومه بني إسرائيل . { فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ } أي : قد أجرموا جرما يوجب تعجيل العقوبة .
فأخبر عليه السلام بحالهم وهذا دعاء بالحال التي هي أبلغ من المقال ، كما قال عن نفسه عليه السلام { رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ }
ولما كان التقدير : لم يؤمنوا به ولا لأجله ولم يعتزلوه ، بل بغوا{[57451]} له الغوائل وراموا أن يواقعوا به الدواهي والقواصم ، فلم يقدروا على ذلك وآذوا قومه وطال البلاء ، سبب عنه قوله : { فدعا ربه } الذي أحسن إليه وضمن له سياسته وسياسة قومه ، ثم فسر ما دعا به بقوله : { أن هؤلاء } [ أي-{[57452]} ] الحقيرون الأراذل الذليلون{[57453]} { قوم } أي لهم قوة على القيام بما{[57454]} يحاولونه { مجرمون * } أي عريقون{[57455]} في قطع ما أمرت به أن يوصل ، وذلك متضمن وصل ما أمرت{[57456]} به أن يقطع ، فكان المعنى : فدعا بهذا المعنى ، ولذلك{[57457]} أتى " بأن " الدالة على المصدرية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.