في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَزَرَابِيُّ مَبۡثُوثَةٌ} (16)

( وزرابي مبثوثة ) . . والزرابي البسط ذات الخمل " السجاجيد " مبثوثة هنا وهناك للزينة وللراحة سواء !

وكلها مناعم مما يشهد الناس له أشباها في الأرض . وتذكر هذه الأشياء لتقريبها إلى مدارك أهل الأرض . أما طبيعتها وطبيعة المتاع بها فهي موكولة إلى المذاق هناك . للسعداء الذين يقسم الله لهم هذا المذاق !

ومن اللغو الدخول في موازنات أو تحقيقات حول طبيعة النعيم - أو طبيعة العذاب - في الآخرة . فإدراك طبيعة شيء ما متوقف على نوع هذا الإدراك . وأهل الأرض يدركون بحس مقيد بظروف هذه الأرض وطبيعة الحياة فيها . فإذا كانوا هناك رفعت الحجب وأزيلت الحواجز وانطلقت الأرواح والمدارك ، وتغيرت مدلولات الألفاظ ذاتها بحكم تغير مذاقها ، وكان ما سيكون ، مما لا نملك أن ندرك الآن كيف يكون !

إنما نفيد من هذه الأوصاف أن يستحضر تصورنا أقصى ما يطيقه من صور اللذاذة والحلاوة والمتاع . وهو ما نملك تذوقه ما دمنا هنا . حتى نعرف حقيقته هناك . حين يكرمنا الله بفضله ورضاه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَزَرَابِيُّ مَبۡثُوثَةٌ} (16)

وقوله : وَزَرَابِيّ مَبْثُوثَةٌ يقول تعالى ذكره : وفيها طنافس وبُسط كثيرة مبثوثة مفروشة ، والواحدة : زِرْبية ، وهي الطّنفسة التي لها خمل رقيق . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أحمد بن منصور ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن سفيان ، قال : حدثنا توبة العنبريّ ، عن عكرِمة بن خالد ، عن عبد الله بن عمار ، قال : رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلّي على عَبْقَريّ ، وهو الزرابيّ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَزَرَابِيّ مَبْثُوثَةٌ : المبسوطة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَزَرَابِيُّ مَبۡثُوثَةٌ} (16)

و { زرابيّ } : جمع زَرْبيَّة بفتح الزاي وسكون الراء وكسر الموحدة وتشديد الياء ، وهي البساط أو الطُنفسة ( بضم الطاء ) المنسوج من الصوف الملون الناعم يفرش في الأرض للزينة والجلوس عليه لأهل الترف واليسار .

والزربية نسبة إلى ( أذربيجان ) بلدٍ من بلاد فارس وبخَارى ، فأصل زربية أذربية ، حذفت همزتها للتخفيف لثقل الاسم لعجمته واتصال ياء النسب به ، وذَالها مبدَلة عن الزاي في كلام العرب لأن اسم البلد في لسان الفرس أزربيجان بالزاي المعجمة بعدها راء مهملة وليس في الكلام الفارسي حرف الذال ، وبلد ( أذرْبيجان ) مشهور بنعومة صوف أغنامه . واشتهر أيضاً بدقة صنع البُسُط والطنافس ورقّة خَمَلها .

والمبثوثة : المنتشرة على الأرض بكثرة وذلك يفيد كناية عن الكثرة .

وقد قوبلت صفات وجوه أهل النار بصفات وجوه أهل الجنة فقوبلت صفات { خاشعة } [ الغاشية : 2 ] ، { عاملة } { ناصبة } [ الغاشية : 3 ] بصفات { ناعمة لسعيها راضية } [ الغاشية : 8 ، 9 ] ، وقوبل قوله : { تصلى ناراً حامية } [ الغاشية : 4 ] بقوله : في { جنة عالية } [ الغاشية : 10 ] . وقوبل : { تسقى من عين آنية } [ الغاشية : 5 ] بقوله : { فيها عين جارية } [ الغاشية : 12 ] ، وقوبل شقاء عيش أهل النار الذي أفاده قوله : { ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع } [ الغاشية : 6 ، 7 ] ، بمقاعد أهل الجنة المشعرةِ بترف العيش من شراب ومتاع .

وهذا وعد للمؤمنين بأن لهم في الجنة ما يعرفون من النعيم في الدنيا وقد علموا أن ترف الجنة لا يبلغه الوصف بالكلام وجمع ذلك بوجه الإِجمال في قوله تعالى : { وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين } [ الزخرف : 71 ] ، ولكن الأرواح ترتاح بمألوفاتها فتعطاها فيكون نعيم أرواح الناس في كل عصر ومن كل مصر في الدرجة القصوى مما ألفوه ولا سيما ما هو مألوف لجميع أهل الحضارة والترف وكانوا يتمنونه في الدنيا ثم يُزادون من النعيم « ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر » .