تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا} (11)

ورغبهم أيضا ، بخير الدنيا العاجل ، فقال : { يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا } أي : مطرا متتابعا ، يروي الشعاب والوهاد ، ويحيي البلاد والعباد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا} (11)

وقوله تعالى : { استغفروا ربكم يرسل السماء } يقتضي أن الاستغفار سبب لنزول المطر في كل أمة . وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استسقى بالناس فلم يزد على أن استغفر ساعة ثم انصرف فقال له قوم : ما رأيناك استسقيت يا أمير المؤمنين ، فقال : والله لقد استنزلت المطر بمجاديح السماء{[11345]} ، ثم قرأ الآية ، وسقى رضي الله عنه ، وشكى رجل إلى الحسن الجرب فقال له : استغفر الله ، وشكى إليه آخر الفقر ، فقال : استغفر إليه ، وقال له آخر : ادع الله أن يرزقني ولداً ، فقال له استغفر الله ، فقيل له في ذلك ، فنزع بهذه الآية .

قال القاضي أبو محمد : والاستغفار الذي أحال عليه الحسن ليس هو عندي لفظ الاستغفار فقط ، بل الإخلاص والصدق في الأعمال والأقوال ، فكذلك كان استغفار عمر رضي الله عنه ، وروي أن قوم نوح كانوا قد أصابهم قحوط وأزمة ، فلذلك بدأهم في وعده بأمر المطر ثم ثنى بالأموال والبنين . قال قتادة : لأنهم كانوا أهل حب للدنيا وتعظيم لأمرها فاستدعاهم إلى الآخرة من الطريق التي يحبونها ، و «مدرار » : مفعال من الدر ، كمذكار ومئناث ، وهذا البناء لا تلحقه التأنيث .


[11345]:مجاديح السماء: أنواؤها ، يقال: أرسلت السماء مجاديحها، والمفرد: مجدح وهو نجم من النجوم كانت العرب تزعم أنها تمطر به، وعمر رضي الله عنه أراد بقوله أن يبطل الأنواء وأن يكذب بها، وأن يقول لهم: إن الاستغفار هو الذي يستسقى به وليست النجوم.

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا} (11)

و { السماء } : هنا المطر ، ومن أسماء المطر السماء . وفي حديث « الموطأ » و« الصحيحين » عن زيد بن خالد الجهني : أنه قال : " صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحُدَيْبِيَة على إِثْر سَمَاءٍ كانت من الليْل " الحديث . وقال معاوية بن مالك بن جعفر :

إذا نزل السماءُ بأرض قوم *** رَعَيْنَاهُ وإن كانوا غِضابا

والمدرار : الكثيرة الدُّر والدُّرور ، وهو السيلان ، يُقال : درت السماء بالمطر ، وسماء مدرار .

ومعنى ذلك : أن يَتْبع بعض الأمطار بعضاً .

ومِدرار ، زنة مبالغة ، وهذا الوزن لا تلحقه علامة التأنيث إلاّ نادراً كما في قول سهل بن مالك الفزاري :

أصبَحَ يَهْوَى حُرَّةً مِعْطَارَة

فلذلك لم تلحق التاء هنا مع أن اسم السماء مؤنث .

والإِرسال : مستعار للإِيصال والإِعطاء ، وتعديته ب { عليكم } لأنه إيصال من علوّ كقوله :

{ وأرسل عليهم طيراً أبابيل } [ الفيل : 3 ] .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا} (11)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يعني المطر عليكم يجيئ به متتابعا.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يسقيكم ربكم إن تبتم ووحدتموه وأخلصتم له العبادة الغيث، فيرسل به السماء عليكم مدرارا متتابعا.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{ويرسل السماء عليكم مدرارا} {ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} فيحتمل أن ما قال هذا لأنهم كانوا في شدة عيش وضيق حال، فوعد أنهم إن انتهوا عن الكفر، وأجابوا إلى ما يدعوهم إليه غفر الله لهم ذنوبهم، وأرسل السماء عليهم مدرارا، فيتوسعوا به... ويحتمل أن يكونوا خافوا انقطاع النعمة عنهم والإجابة وزوال السعة عنهم بالإسلام، ومن الناس من يترك الإيمان خشية هذا، فأخبر الله عز وجل أن الذي هم فيه من رغد العيش لا ينقطع عنهم بالإسلام، بل يرسل عليهم المطر من السماء مدرارا متتابعا، ويمددهم بأموال وبنين مع ما يجعل لهم من الجنان والأنهار. لكن ذوي الألباب والعقلاء ينظرون إلى حسن العاقبة وما عليه مآل الأمر دون الحال، فذلك الذي يرغبهم فيه. ولذلك اختلفت دعوة النبي عليه السلام لأمته، فمنهم من بشّره بكثرة أمواله وبنيه، ومنهم من رغبه في آخرته بقوله تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}] يونس: 58] وقوله تعالى: {قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار} الآية [آل عمران: 15]. ونظير الأول كقوله عز وجل: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} [الأعراف: 96]. والأصل أن الرسل عليهم السلام بعثوا مبشرين ومنذرين داعين زاجرين محتجين مدحضين؛ فبما يتلون عليهم من أنباء الأولين دخل فيه جميع الأوجه الثلاثة، إذ النذارة والبشارة مرة تقع بالابتداء ومرة بما ينزل بالمتقدمين المصدقين منهم والمكذبين: أن كيف كانت عواقب هؤلاء وهؤلاء. وكذلك الدعاء، والرحمة تكون مرة بابتداء الدعاء، والزجر يكون بذكر الأمم السالفة وأن الرسل كيف كانوا يدعونهم ثانيا، والله أعلم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

والسماء: المظلة؛ لأنّ المطر منها ينزل إلى السحاب؛ ويجوز أن يراد السحاب أو المطر.

والمدرار: الكثير الدرور.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 10]

يقتضي أن الاستغفار سبب لنزول المطر في كل أمة. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استسقى بالناس فلم يزد على أن استغفر ساعة ثم انصرف فقال له قوم: ما رأيناك استسقيت يا أمير المؤمنين، فقال: والله لقد استنزلت المطر بمجاديح السماء، ثم قرأ الآية، وسقى رضي الله عنه، وشكى رجل إلى الحسن الجرب فقال له: استغفر الله، وشكى إليه آخر الفقر، فقال: استغفر إليه، وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً، فقال له استغفر الله، فقيل له في ذلك، فنزع بهذه الآية.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما قرر أمر التوبة وبين قبولها وقدمه اهتماماً به لأنه أصل ما يبتنى عليه، ولأن التخلي قبل التحلي، ودرء المفاسد قبل جلب المصالح والفوائد، رغب فيها بما يكون عنها من الزيادة في الإحسان على أصل القبول، وينشأ عن الاستغفار من الآثار الكبار من الأفضال بجلب المسار بما هو مثال للجنة التي كان سبب الإخراج منها النسيان لأنهم أحب شيء في الأرباح الحاضرة والفوائد العاجلة لا سيما بما يبهج النفوس ويشرح الصدور لإذهابه البؤس، فقال مجيباً لفعل الأمر: {يرسل السماء} أي المظلة الخضراء أو السحاب أو المطر {عليكم} أي بالمطر وأنواع البركات {مدراراً} أي حال كونها كثيرة الدرور متكررته.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

و {السماء}: هنا المطر، ومن أسماء المطر السماء. وفي حديث « الموطأ» و« الصحيحين» عن زيد بن خالد الجهني: أنه قال: "صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحُدَيْبِيَة على إِثْر سَمَاءٍ كانت من الليْل " الحديث. والمدرار: الكثيرة الدُّر والدُّرور، وهو السيلان، يُقال: درت السماء بالمطر، وسماء مدرار. ومعنى ذلك: أن يَتْبع بعض الأمطار بعضاً.

والإِرسال: مستعار للإِيصال والإِعطاء، وتعديته ب {عليكم} لأنه إيصال من علوّ.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ولا يطهركم من الذنوب فحسب بل: (يرسل السماء عليكم مدراراً).

والخلاصة: إنّ اللّه تعالى يفيض عليكم بأمطار الرحمة المعنوية، وكذلك بالأمطار المادية المباركة. ومن الملاحظ في سياق هذه الآية أنّه يقول «يرسل السماء» فالسماء تكاد أن تهبط من شدّة هطول الأمطار! وبما أنّها أمطار رحمة وليست نقمة، فلذا لا تسبب خراباً وأضراراً، بل تبعث على الإعمار والبركة والحياة.