تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا يَسۡتَطِيعُونَ لَهُمۡ نَصۡرٗا وَلَآ أَنفُسَهُمۡ يَنصُرُونَ} (192)

وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ أي : لعابديها نَصْرًا وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ .

فإذا كانت لا تخلق شيئا ، ولا مثقال ذرة ، بل هي مخلوقة ، ولا تستطيع أن تدفع المكروه عن من يعبدها ، بل ولا عن أنفسها ، فكيف تتخذ مع اللّه آلهة ؟ إن هذا إلا أظلم الظلم ، وأسفه السفه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا يَسۡتَطِيعُونَ لَهُمۡ نَصۡرٗا وَلَآ أَنفُسَهُمۡ يَنصُرُونَ} (192)

191

ثم قال تعالى : { وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا } أي : لعابديهم { وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ } يعني : ولا لأنفسهم ينصرون ممن أرادهم بسوء ، كما كان الخليل ، عليه الصلاة والسلام ، يكسر أصنام قومه ويهينُها غاية الإهانة ، كما أخبر تعالى عنه في قوله : { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ } [ الصافات : 93 ] وقال تعالى : { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } [ الأنبياء : 58 ] وكما كان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن جبل ، رضي الله عنهما - وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة - فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها ويتخذانها حطبا للأرامل ، ليعتبر قومهما بذلك ، ويرتئوا لأنفسهم ، فكان لعمرو بن الجموح - وكان سيدًا في قومه - كان له صنم يعبده ويطيبه ، فكانا يجيئان في الليل فينكسانه على رأسه ، ويلطخانه بالعَذِرة ، فيجيء عمرو بن الجموح فيرى ما صنع به فيغسله ويطيبه ويضع عنده سيفا ، ويقول له : " انتصر " . [ ثم ]{[12529]} يعودان لمثل ذلك ، ويعود إلى صنيعه أيضا ، حتى أخذاه مرة فقرنا معه جرو كلب ميت ، ودلَّياه في حبل في بئر هناك ، فلما جاء عمرو بن الجموح ورأى ذلك ، نظر فعلم أن ما كان عليه من الدين باطل ، وقال :

تَالله لو كُنتَ إِلَها مُسْتَدن *** لم تَكُ والكَلْبُ جَمِيعًا في قَرنْ{[12530]}

ثم أسلم فَحسُن إسلامه ، وقتل يوم أحد شهيدًا ، رضي الله عنه وأرضاه ، وجعل جنة الفردوس مأواه .


[12529]:زيادة من د، م، أ.
[12530]:انظر: الرجز في السيرة النبوية لابن هشام (1/354).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا يَسۡتَطِيعُونَ لَهُمۡ نَصۡرٗا وَلَآ أَنفُسَهُمۡ يَنصُرُونَ} (192)

والضمير المجرور باللام في { لهم نَصراً } عائد إلى المشركين ، لأن المجرور باللام بعد فعل الاستطاعة ونحوه هو الذي لأجله يقع الفعل مثل { لا يَمْلكون لكم رزقاً } [ العنكبوت : 17 ] .

وجملة : { ولا يستطيعون لهم نصراً } عطف على جملة : { مالا يخلق شيئاً } فتكون صلة ثانية .

والقول في الفعلين من { لا يستطيعون ولا أنفسهم ينصرون } كالقول في { ما لاَ يَخلق شيئاً } .

وتقديم المفعول في { ولا أنفسهم ينصرون } للاهتمام بنفي هذا النصر عنهم ، لأنه أدل على عجز تلك الآلهة لأن من يقصّر في نصر غيره لا يقصِّر في نصر نفسه لو قدر .

والمعنى : أن الأصنام لا ينصرون من يعبدونهم إذا احتاجوا لنصرهم ولا ينصرون أنفسهم إن رام أحد الاعتداء عليها .

والظاهر أن تخصيص النصر من بين الأعمال التي يتخيلون أن تقوم بها الأصنام مقصود منه تنبيه المشركين على انتفاء مقدرة الأصنام على نفعهم ، إذ كان النصر أشد مرغوب لهم ، لأن العرب كانوا أهل غارات وقتال وتراث ، فالانتصار من أهم الأمور لديهم قال تعالى : { واتخذوا من دون الله آلهةً لعلهم ينصرون ، لا يستطيعون نصرهم } [ يس : 74 ، 75 ] وقال تعالى : { واتخذوا من دون الله آلهةً ليكونوا لهم عزاً كلا سيكفرون بعبادتهم } [ مريم : 81 ، 82 ] ، قال أبو سفيان يوم أُحد « أعْلُ هبل » وقال أيضاً « لنا العُزى ولا عُزى لكم وأن الله أعلم المسلمين بذلك تعريضاً بالبشارة بأن المشركين سيُغلبون قال { قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد } [ آل عمران : 12 ] وأنهم سيمحقون الأصنام ولا يستطيع أحد الذب عنها .