تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ قَدۡ أُوتِيتَ سُؤۡلَكَ يَٰمُوسَىٰ} (36)

فقال الله : { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى } أي : أعطيت جميع ما طلبت ، فسنشرح صدرك ، ونيسر أمرك ، ونحل عقدة من لسانك ، يفقهوا قولك ، ونشد عضدك بأخيك هارون ، { ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون }

وهذا السؤال من موسى عليه السلام ، يدل على كمال معرفته بالله ، وكمال فطنته ومعرفته للأمور ، وكمال نصحه ، وذلك أن الداعي إلى الله ، المرشد للخلق ، خصوصا إذا كان المدعو من أهل العناد والتكبر والطغيان يحتاج إلى سعة صدر ، وحلم تام ، على ما يصيبه من الأذى ، ولسان فصيح ، يتمكن من التعبير به عن ما يريده ويقصده ، بل الفصاحة والبلاغة لصاحب هذا المقام ، من ألزم ما يكون ، لكثرة المراجعات والمراوضات ، ولحاجته لتحسين الحق ، وتزيينه بما يقدر عليه ، ليحببه إلى النفوس ، وإلى تقبيح الباطل وتهجينه ، لينفر عنه ، ويحتاج مع ذلك أيضا ، أن يتيسر له أمره ، فيأتي البيوت من أبوابها ، ويدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن ، يعامل الناس كلا بحسب حاله ، وتمام ذلك ، أن يكون لمن هذه صفته ، أعوان ووزراء ، يساعدونه على مطلوبه ، لأن الأصوات إذا كثرت ، لا بد أن تؤثر ، فلذلك سأل عليه الصلاة والسلام هذه الأمور فأعطيها .

وإذا نظرت إلى حالة الأنبياء المرسلين إلى الخلق ، رأيتهم بهذه الحال ، بحسب أحوالهم خصوصا ، خاتمهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه في الذروة العليا من كل صفة كمال ، وله من شرح الصدر ، وتيسير الأمر ، وفصاحة اللسان ، وحسن التعبير والبيان ، والأعوان على الحق من الصحابة ، فمن بعدهم ، ما ليس لغيره .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ قَدۡ أُوتِيتَ سُؤۡلَكَ يَٰمُوسَىٰ} (36)

هذه{[19265]} إجابة من الله لرسوله موسى ، عليه السلام ، فيما سأل من ربه عز وجل ، وتذكير{[19266]} له بنعمه السالفة عليه ، فيما كان ألهم أمه حين كانت ترضعه ، وتحذر عليه من فرعون وملئه أن يقتلوه ؛ لأنه كان قد ولد في السنة التي يقتلون فيها الغلمان . فاتخذت له تابوتا ، فكانت{[19267]} ترضعه ثم تضعه فيه ، وترسله في البحر - وهو النيل - وتمسكه إلى منزلها بحبل فذهبت مرة لتربطه{[19268]} فانفلت منها وذهب به البحر ، فحصل لها من الغم والهم ما ذكره الله عنها في قوله : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا } [ القصص : 10 ] فذهب به البحر إلى دار فرعون { فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا } [ القصص : 8 ] أي قدرًا مقدورًا{[19269]} من الله ، حيث كانوا هم يقتلون الغلمان{[19270]} من بني إسرائيل ، حذرًا من وجود موسى ، فحكم الله - وله السلطان العظيم ، والقدرة التامة - ألا يربى إلا على فراش فرعون ، ويغذى بطعامه وشرابه ، مع محبته وزوجته له ؛ ولهذا قال : { يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي } [ أي : عند عدوك ، جعلته يحبك . قال سلمة بن كُهَيْل : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي } ]{[19271]} قال : حببتك إلى عبادي .

{ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } قال أبو عمران الجوني : تربى بعين الله .

وقال قتادة : تغذى على عيني .

وقال معمر بن المثنى : { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } بحيث أرى .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يعني أجعله في بيت الملك ينعم ويترف ، غذاؤه عندهم غذاء الملك ، فتلك الصنعة .


[19265]:في ف، أ: "هذا".
[19266]:في ف، أ: "وتذكيرًا".
[19267]:في ف، أ: "وكانت".
[19268]:في ف، أ: "لتربط الحبل".
[19269]:في أ: "أي قدرا مقدرا".
[19270]:في أ: "العلماء"
[19271]:زيادة من أ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ قَدۡ أُوتِيتَ سُؤۡلَكَ يَٰمُوسَىٰ} (36)

المعنى قال الله تعالى : قد أعطيت يا موسى طلبتك في شرح الصدر وتيسير الأمر وحل العقدة إما بالكل وإما على قدر الحاجة في الإفقاه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ قَدۡ أُوتِيتَ سُؤۡلَكَ يَٰمُوسَىٰ} (36)

قوله { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى } وعد له بالإجابة ، وتصديق له فيما توسمه من المصالح فيما سأله لنفسه ولأخيه .

والسُؤْلُ بمعنى المسؤول . وهو وزن فُعْل بمعنى مفعول كالخُبز بمعنى المخبوز ، والأكْل بمعنى المأكول . وهذا يدل على أن العقدة زالت عن لسانه ، ولذلك لم يحك فيما بعد أنّه أقام هارون بمجادلة فرعون . ووقع في التّوراة في الإصحاح السابع من سفر الخروج : « فقال الرب لموسى أنت تتكلّم بكلّ ما أمرك به وهارون أخوك يكلّم فرعون » .