وقوله : { وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } أي : جمعت . كما قال تعالى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } [ الأنعام : 38 ] . قال ابن عباس : يحشر كل شيء حتى الذباب . رواه ابن أبي حاتم . وكذا قال الربيع بن خُثَيم{[29746]} والسّدي ، وغير واحد . وكذا قال قتادة في تفسير هذه الآية : إن هذه الخلائق [ موافية ]{[29747]} فيقضي الله فيها ما يشاء .
وقال ابن جرير : حدثني علي بن مسلم الطوسي ، حدثنا عباد بن العوام ، أخبرنا حُصَين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : { وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } قال : حَشرُ البهائم : موتها ، وحشر كل شيء الموت غيره{[29748]} الجن والإنس ، فإنهما يوقفان يوم القيامة .
حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا وَكِيع ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن الربيع بن خُثَيم{[29749]} : { وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } قال : أتى عليها أمر الله . قال سفيان : قال أبي : فذكرته لعكرمة ، فقال : قال ابن عباس : حشرها : موتها .
وقد تقدم عن أبيّّ بن كعب أنه قال : { وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } اختلطت .
قال ابن جرير : والأولى قَولُ من قال : { حُشِرَت } جُمعت ، قال الله تعالى : { وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً } [ ص : 19 ] ، أي : مجموعة .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجّرَتْ * وَإِذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصّحُفُ نُشِرَتْ } .
اختلف أهل التأويل في معنى قوله : وَإذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ فقال بعضهم : معنى ذلك : ماتت . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ بن مسلم الطوسي ، قال : حدثنا عباد بن العوّام ، قال : أخبرنا حصين ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، في قول الله : وَإذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ قال : حَشْرُ البهائم : موتها ، وحشر كل شيء : الموت ، غير الجنّ والإنس ، فإنهما يوقفان يوم القيامة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن ربيع بن خيثم وَإذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ قال : أتى عليها أمر الله ، قال سفيان ، قال أبي ، فذكرته لعكرِمة ، فقال : قال ابن عباس : حَشْرُها : موتها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن الربيع بن خيثم ، بنحوه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وإذا الوُحوش اختلطت . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسين بن حريث ، قال : حدثنا الفضل بن موسى ، عن الحسين بن واقد ، عن الربيع بن أنس عن أبي العالية ، قال : ثني أُبيّ بن كعب وَإذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ قال : اختلطت .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : جُمعت . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَإذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ إن هذه الخلائق موافية يوم القيامة ، فيقضي الله فيها ما يشاء .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى حشرت : جمعت ، فأميتت لأن المعروف في كلام العرب من معنى الحشر : الجمع ومنه قول الله والطّيْرَ مَحْشُورَةً يعني : مجموعة .
وقوله : فَحَشَرَ فَنادَى وإنما يحمل تأويل القرآن على الأغلب الظاهر من تأويله ، لا على الأنكر المجهول .
و { الوحوش } : جمع وَحش وهو الحيوان البري غير المتأنس بالناس .
وحَشرها : جمعها في مكان واحد ، أي مكان من الأرض عند اقتراب فناء العالم فقد يكون سبب حشرها طوفاناً يغمر الأرض من فيضان البحار فكلما غمر جزءاً من الأرض فرت وحوشه حتى تجتمع في مكان واحد طالبة النجاة من الهلاك ، ويُشعر بهذا عطف { وإذا البحار سُجرت } عليه .
وذكر هذا بالنسبة إلى الوحوش إيماء إلى شدة الهول فالوحوش التي من طبعها نفرة بعضها عن بعض تتجمع في مكان واحد لا يعدو شيءٌ منها على الآخر من شدة الرعب ، فهي ذاهلة عما في طبعها من الاعتداء والافتراس ، وليس هذا الحشرَ الذي يُحشَر الناس به للحساب بل هذا حشر في الدنيا وهو المناسب لما عدّ معه من الأشراط ، وروي معناه عن أبي بن كعب .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلف أهل التأويل في معنى قوله:"وَإذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ"؛
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وإذا الوُحوش اختلطت...
وقال آخرون: بل معنى ذلك: جُمعت...
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى حشرت: جمعت، فأميتت لأن المعروف في كلام العرب من معنى الحشر: الجمع، ومنه قول الله "والطّيْرَ مَحْشُورَةً" يعني: مجموعة، وقوله: "فَحَشَرَ فَنادَى"، وإنما يحمل تأويل القرآن على الأغلب الظاهر من تأويله، لا على الأنكر المجهول.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أحدهما: أن تجمع كلها، فتتلف، وتهلك.
والثاني: أن تحشر، في أن يحييها بعد موتها، فيصنع الله تعالى فيها ما يشاء، فيكون في هذا إخبار عن عظم ذلك اليوم حتى يؤثر الهول في الوحش والشمس والقمر والسماوات...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
قال عكرمة: حشرها موتها. وغيره قال: معناه تغيرت الأمور بأن صارت الوحوش التي تشرد في البلاد تجتمع مع الناس، وذلك أن الله تعالى يحشر الوحوش ليوصل إليها ما تستحقه من الأعواض على الآلام التي دخلت عليها، وينتصف لبعضها من بعض...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقال قتادة وجماعة: {حشرت} للجمع يوم القيامة، ويقتص للجماء من القرناء فجعلوا ألفاظ هذا الحديث حقيقة لا مجازاً مثالاً في العدل...
...والغرض من ذلك هذه القصة ههنا وجوه؛
(أحدها): أنه تعالى إذا كان يوم القيامة يحشر كل الحيوانات إظهارا للعدل، فكيف يجوز مع هذا أن لا يحشر المكلفين من الإنس والجن؟
(الثاني): أنها تجتمع في موقف القيامة مع شدة نفرتها عن الناس في الدنيا وتبددها في الصحاري، فدل هذا على أن اجتماعها إلى الناس ليس إلا من هول ذلك اليوم.
(والثالث): أن هذه الحيوانات بعضها غذاء للبعض، ثم إنها في ذلك اليوم تجتمع ولا يتعرض بعضها لبعض، وما ذاك إلا لشدة هول ذلك اليوم...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فهذه الوحوش النافرة قد هالها الرعب والهول فحشرت وانزوت تتجمع من الهول وهي الشاردة في الشعاب؛ ونسيت مخاوفها بعضها من بعض، كما نسيت فرائسها، ومضت هائمة على وجوهها، لا تأوي إلى جحورها أو بيوتها كما هي عادتها، ولا تنطلق وراء فرائسها كما هو شأنها. فالهول والرعب لا يدعان لهذه الوحوش بقية من طباعها وخصائصها! فكيف بالناس في ذلك الهول العصيب؟!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وحَشرها: جمعها في مكان واحد، أي مكان من الأرض عند اقتراب فناء العالم فقد يكون سبب حشرها طوفاناً يغمر الأرض من فيضان البحار فكلما غمر جزءاً من الأرض فرت وحوشه حتى تجتمع في مكان واحد طالبة النجاة من الهلاك، ويُشعر بهذا عطف {وإذا البحار سُجرت} عليه...
وليس هذا الحشرَ الذي يُحشَر الناس به للحساب بل هذا حشر في الدنيا وهو المناسب لما عدّ معه من الأشراط، وروي معناه عن أبي بن كعب...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
ولكن، هل المراد من الحشر هو حشرها في ساحة القيامة؟ وهل للوحوش تكليفٌ في الدنيا حتى تحاسب على الانحراف عنه في الآخرة؟ أم أن للمسألة معنًى آخر؟. ربما يقال بالمعنى الأول، إن الوحوش محشورة كالإنسان، ويؤيده قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38]...
وربما قيل: «إن حشر الوحوش من أشراط الساعة لا مما يقع يوم القيامة، والمراد به خروجها من غاباتها وأكنانها»، وهذا هو المعنى الثاني الذي أثرناه في السؤال، وربما كان هو الأقرب، لأن الآية واردة في أشراط الساعة لا في وقائعها، في ما يوحي للإنسان بالرعب، بحيث تصل المسألة في أهواله، إلى مستوى حشر الوحوش في مكان واحدٍ بالرغم من خروج ذلك عن طبيعتها...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ونقول: إذا اضمحلت كلّ خصائص الوحشية للحيوانات غير الأليفة نتيجة لأهوال يوم القيامة، فما سيكون مصير الإنسان حينئذ؟!