تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} (54)

ولهذا أمر تعالى بالإنابة إليه ، والمبادرة إليها فقال : { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ } بقلوبكم { وَأَسْلِمُوا لَهُ } بجوارحكم ، إذا أفردت الإنابة ، دخلت فيها أعمال الجوارح ، وإذا جمع بينهما ، كما في هذا الموضع ، كان المعنى ما ذكرنا .

وفي قوله { إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ } دليل على الإخلاص ، وأنه من دون إخلاص ، لا تفيد الأعمال الظاهرة والباطنة شيئا . { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ } مجيئا لا يدفع { ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ } فكأنه قيل : ما هي الإنابة والإسلام ؟ وما جزئياتها وأعمالها ؟

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} (54)

( وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون . واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ) . .

الإنابة . والإسلام . والعودة إلى أفياء الطاعة وظلال الاستسلام . . هذا هو كل شيء . بلا طقوس ولا مراسم ولا حواجز ولا وسطاء ولا شفعاء !

إنه حساب مباشر بين العبد والرب . وصلة مباشرة بين المخلوق والخالق . من أراد الأوبة من الشاردين فليؤب . ومن أراد الإنابة من الضالين ، فلينب . ومن أراد الاستسلام من العصاة فليستسلم . وليأت . . ليأت وليدخل فالباب مفتوح . والفيء والظل والندى والرخاء : كله وراء الباب لا حاجب دونه ولا حسيب !

وهيا . هيا قبل فوات الأوان . هيا ( من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ) . . فما هنالك من نصير . هيا فالوقت غير مضمون . وقد يفصل في الأمر وتغلق الأبواب في أية لحظة من لحظات الليل والنهار . هيا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} (54)

ثم استحث [ سبحانه ]{[25229]} وتعالى عباده إلى المسارعة إلى التوبة ، فقال : { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ } أي : ارجعوا إلى الله واستسلموا له ، { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ } أي : بادروا بالتوبة والعمل الصالح قبل حلول النقمة .


[25229]:- زيادة من ت ، وفي أ: "الله".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} (54)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَأَنِيبُوَاْ إِلَىَ رَبّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمّ لاَ تُنصَرُونَ * وَاتّبِعُوَاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رّبّكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وأقبلوا أيها الناس إلى ربكم بالتوبة ، وارجعوا إليه بالطاعة له ، واستجيبوا له إلى ما دعاكم إليه من توحيده ، وإفراد الألوهة له ، وإخلاص العبادة له ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وأَنِيبُوا إلى رَبّكُمْ : أي أقبلوا إلى ربكم .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدّي وأنِيبُوا قال : أجيبوا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وأَنِيبُوا إلى رَبّكُمْ قال : الإنابة : الرجوع إلى الطاعة ، والنزوع عما كانوا عليه ، ألا تراه يقول : مُنِيبِينَ إلَيْهِ وَاتّقُوهُ .

وقوله : وأَسْلِمُوا لَهُ يقول : واخضعوا له بالطاعة والإقرار بالدين الحنيفي مِنْ قَبْلِ أنْ يأْتِيَكُمُ العَذابُ من عنده على كفركم به ثُمّ لا تُنْصَرُونَ يقول : ثم لا ينصركم ناصر ، فينقذكم من عذابه النازل بكم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} (54)

لما فَتَح لهم باب الرجاء أَعقبه بالإرشاد إلى وسيلة المغفرة معطوفاً بالواو وللدلالة على الجمع بين النهي عن القنوط من الرحمة وبين الإِنابة جمعاً يقتضي المبادرة ، وهي أيضاً مقتضى صيغة الأمر .

والإِنابة : التوبة ولما فيها وَفي التوبة من معنى الرجوع عُدّي الفِعلان بحرف { إلى } . والمعنى : توبوا إلى الله مما كنتم فيه من الشرك بأن توحدوه .

وعطف عليه الأمر بالإسلام ، أي التصديق بالنبي والقرآن واتباع شرائع الإِسلام .

وفي قوله : مِن قَبلِ أن يأتيكم العذاب } إيذان بوعيد قريب إن لم يُنيبوا ويسلموا كما يلمح إليه فعل { يأتيكم } . والتعريف في العَذَابُ تعريف الجنس ، وهو يقتضي أنهم إن لم يُنيبوا ويسلموا يأتهم العذاب . والعذاب منه ما يحصل في الدنيا إن شاءه الله وهذا خاص بالمشركين ، وأما المسلمون فقد استعاذ لهم منه الرسول صلى الله عليه وسلم حين نزل : { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم } كما تقدم في سورة الأنعام ( 65 ) ، ومن العذاب عذاب الآخرة وهو جزاء الكفر والكبائر .

وهذا الخطاب يأخذ كلُ فريق منه بنصيب ، فنصيب المشركين الإِنابة إلى التوحيد واتّباعُ دين الإِسلام ، ونصيب المؤمنين منه التوبة إذا أسرفوا على أنفسهم والإِكثار من الحسنات وأما الإسلام فحاصل لهم .

والنصر : الإِعانة على الغلبة بحيث ينفلتُ المغلوب من غلبة قاهره كرهاً على القاهر ولا نصير لأحد على الله . وأما الشفاعة لأهل الكبائر فليست من حقيقة النصر المنفي وهذه الفقرة أكثر حظ فيها هو حظ المشركين .