وقوله : { نَارٌ حَامِيَةٌ } أي : حارة شديدة الحر ، قوية اللهيب والسعير .
قال أبو مصعب ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نار بني آدم التي تُوقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم " . قالوا : يا رسول الله ، إن كانت لكافية . فقال : " إنها فُضِّلَت عليها بتسعة وستين جُزءًا " {[30432]} .
ورواه البخاري ، عن إسماعيل بن أبي أويس ، عن مالك . ورواه مسلم عن قُتيبة ، عن المغيرة بن عبد الرحمن ، عن أبي الزِّناد ، به{[30433]} وفي بعض ألفاظه : " أنها فُضلت عليها بتسعة وستين جزءا ، كلهن مثل حرّها " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا حماد - وهو ابن سلمة - عن محمد بن زياد - سمع{[30434]} أبا هريرة يقول : سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول : " نار بني آدم التي توقدون ، جزء من سبعين جزءا من نار جهنم " . فقال رجل : إن كانت لكافية . فقال : " لقد فضلت عليها بتسعة وستين جزءًا حَرًّا فحرا " {[30435]} .
تفرد به أحمد من هذا الوجه ، وهو على شرط مسلم .
وقال الإمام أحمد أيضًا : حدثنا سفيان ، عن أبي الزياد{[30436]} عن الأعرج ، عن أبي هُرَيرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم - وعمرو ، عن يحيى بن جَعْدة - : " إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم ، وضربت{[30437]} بالبحر مرتين ، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد " {[30438]} .
وهذا على شرط الصحة{[30439]} ولم يخرجوه من هذا الوجه ، وقد رواه مسلم في صحيحه من طريق [ ابن أبي الزناد ]{[30440]} {[30441]} .
ورواه البزار من حديث عبد الله بن مسعود ، وأبي سعيد الخدري : " ناركم هذه جزء من سبعين جزءًا " {[30442]} .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة ، حدثنا{[30443]} عبد العزيز - هو ابن محمد الدراوردي - عن سُهَيل عن أبيه ، عن أبي هُريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم " {[30444]} .
تفرد به أيضا من هذا الوجه ، وهو على شرط مسلم أيضا .
وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن عمرو الخلال ، حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، حدثنا مَعْن بن عيسى القزاز ، عن مالك ، عن عَمّه أبي سُهَيل ، عن أبيه ، عن أبي هُريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتدرون ما مثل ناركم هذه من نار جهنم ؟ لهي أشد سوادًا من دخان ناركم هذه بسبعين ضعفًا " {[30445]} .
وقد رواه أبو مصعب ، عن مالك ، ولم يرفعه . وروى الترمذي وابن ماجة ، عن عباس الدَّوريّ ، عن يحيى ابن أبي بُكَيْر : حدثنا شريك ، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي هُرَيرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت ، فهي سوداء مظلمة " {[30446]} .
وقد روي هذا من حديث أنس{[30447]} وعمر بن الخطاب .
وجاء في الحديث - عند الإمام أحمد - من طريق أبي عثمان النَّهدي ، عن أنس - وأبي نضرة العَبْديّ ، عن أبي سعيد وعَجْلان مولى المُشْمَعّل ، عن أبي هريرة - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن أهون أهل النار عذابًا من له نعلان يغلي منهما دماغه " {[30448]} .
وثبت في الصحيح{[30449]} أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اشتكت النار إلى ربها فقالت : يا رب ، أكل بعضي بعضًا ، فأذن لها بنَفَسين : نفس في الشتاء ، ونفس في الصيف . فأشد ما تجدون في الشتاء من بردها ، وأشد ما تجدون في الصيف من حرها " {[30450]} .
وفي الصحيحين : " إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة ، فإن شدة الحر من فَيح جَهَنم " {[30451]} . آخر تفسير سورة " القارعة " .
ثم قرر تعالى نبيه على دراية أمرها وتعظيمه ، ثم أخبره أنها { نار حامية } ، وقرأ : «ما هي » بطرح الهاء في الوصل ابن إسحاق والأعمش ، وروى المبرد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : " لا أم لك " ، فقال : يا رسول الله ، أتدعوني إلى الهدى وتقول : لا أم لك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنما أريد : لا نار لك ، » قال الله تعالى : { فأمه هاوية } .
وجملة : {نار حامية } بيان لجملة : { وما أدراك ما هيه } ، والمعنى : هي نار حامية . وهذا من حذف المسند إليه الذي اتّبع في حذفه استعمال أهل اللغة .
ووصف { نار } ب { حامية } من قبيل التوكيد اللفظي لأن النار لا تخلو عن الحَمْي فوصفها به وصف بما هوَ من معنى لفظ { نار } فكانَ كذكر المرادف كقوله تعالى : { نار اللَّه الموقدة } [ الهمزة : 6 ] .