تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُۥ رَبُّهُۥ فَصَرَفَ عَنۡهُ كَيۡدَهُنَّۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (34)

{ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ } حين دعاه { فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ } فلم تزل تراوده وتستعين عليه بما تقدر عليه من الوسائل ، حتى أيسها ، وصرف الله عنه كيدها ، { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ } لدعاء الداعي

{ الْعَلِيمُ } بنيته الصالحة ، وبنيته الضعيفة المقتضية لإمداده بمعونته ولطفه .

فهذا ما نجى الله به يوسف من هذه الفتنة الملمة والمحنة الشديدة ، . وأما أسياده فإنه لما اشتهر الخبر وبان ، وصار الناس فيها بين عاذر ولائم وقادح .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُۥ رَبُّهُۥ فَصَرَفَ عَنۡهُ كَيۡدَهُنَّۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (34)

( فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن ، إنه هو السميع العليم ) .

وهذا الصرف قد يكون بإدخال اليأس في نفوسهن من استجابته لهن ، بعد هذه التجربة ، أو بزيادة انصرافه عن الإغراء حتى لا يحس في نفسه أثرا منه . أو بهما جميعا .

( إنه هو السميع العليم ) الذي يسمع ويعلم ، يسمع الكيد ويسمع الدعاء ، ويعلم ما وراء الكيد وما وراء الدعاء .

وهكذا اجتاز يوسف محنته الثانية ، بلطف الله ورعايته . وانتهت بهذه النجاة الحلقة الثانية من قصته المثيرة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُۥ رَبُّهُۥ فَصَرَفَ عَنۡهُ كَيۡدَهُنَّۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (34)

{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } قال بعضهم : بقولهن . وقال محمد بن إسحاق : بل{[15145]} بَلَغهُنَّ حُسْنُ يوسف ، فأحببن أن يرينه ، فقلن ذلك ليتوصلن إلى رؤيته ومشاهدته ، فعند ذلك { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } أي : دعتهن إلى منزلها لتضيفهن { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً }

قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والحسن ، والسدي ، وغيرهم : هو المجلس المعد ، فيه مفارش ومخاد وطعام ، فيه ما يقطع بالسكاكين من أترج{[15146]} ونحوه . ولهذا قال تعالى : { وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا } وكان هذا مكيدة منها ، ومقابلة لهن في احتيالهن على رؤيته ، { وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } وذلك أنها كانت قد خبأته في مكان آخر ، { فَلَمَّا } خرج و { رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } أي : أعظمن شأنه ، وأجللن قدره ؛ وجعلن يقطعن أيديهن دَهَشا برؤيته ، وهن يظنن أنهن يقطعن الأترج{[15147]} بالسكاكين ، والمراد : أنهن حززن أيديهن بها ، قاله غير واحد .

وعن مجاهد ، وقتادة : قطعن أيديهن حتى ألقينها ، فالله{[15148]} أعلم .

وقد ذكر عن زيد بن أسلم أنها قالت لهن بعدما أكلن وطابت أنفسهن ، ثم وضعت بين أيديهن أترجا{[15149]} وآتت كل واحدة منهن سكينا : هل لكن في النظر إلى يوسف ؟ قلن : نعم . فبعثت إليه تأمره أن اخرج إليهن{[15150]} فلما رأينه جعلن يقطعن أيديهن ، ثم أمرته أن يرجع فرجع ليرينه مقبلا ومدبرا ، وهن يحززن في أيديهن ، فلما أحسسن بالألم جعلن يولولن ، فقالت : أنتن من نظرة واحدة فعلتن هكذا ، فكيف ألام أنا ؟ فقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ، ثم قلن لها : وما نرى عليك من لوم بعد الذي رأينا ، لأنهن لم يرين في البشر شبهه ولا قريبا منه ، فإنه ، صلوات الله عليه وسلم{[15151]} كان قد أعطي شطر الحسن ، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح في حديث الإسراء : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بيوسف ، عليه السلام ، في السماء الثالثة ، قال : " فإذا هو قد أعطي شطر الحسن " {[15152]} وقال حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطي يوسف وأمه شطر الحسن " {[15153]} وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن .

وقال أبو إسحاق أيضا ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : كان وجه يوسف مثل البرق ، وكانت المرأة إذا أتته لحاجة غطى وجهه مخافة أن تفتتن به .

ورواه الحسن البصري مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أعطي يوسف وأمه ثلث حسن أهل الدنيا ، وأعطى الناس الثلثين - أو قال : أعطي يوسف وأمه الثلثين والناس الثلث " {[15154]} وقال سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد عن ربيعة الجُرَشي قال : قسم الحسن نصفين ، فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن . والنصف الآخر بين سائر الخلق .

وقال الإمام أبو القاسم السهيلي : معناه : أن يوسف كان على النصف من حسن آدم ، عليه السلام ، فإن الله خلق آدم بيده على أكمل صورة وأحسنها ، ولم يكن في ذريته من يوازيه في جماله ، وكان يوسف قد أعطي شطر حسنه .

فلهذا قال هؤلاء النسوة عند رؤيته : { حَاشَ لِلَّهِ } قال مجاهد وغير واحد : معاذ الله ، { مَا هَذَا بَشَرًا } وقرأ بعضهم : " ما هذا بِشِرىً " أي : بمشترى .

{ إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ } تقول هذا معتذرة إليهن بأن هذا حقيق بأن يحبّ لجماله وكماله .

{ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ } أي : فامتنع . قال بعضهم : لما رأين جماله الظاهر ، أخبرتهن بصفاته الحسنة التي تخفى عنهن ، وهي{[15155]} العفة مع هذا الجمال ، ثم قالت تتوعد{[15156]} { وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ } فعند ذلك استعاذ يوسف ، عليه السلام ، من شرهن وكيدهن ، وقال : { رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } أي : من الفاحشة ، { وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ } أي : إن وكلتني إلى نفسي ، فليس لي من نفسي قدرة ، ولا أملك لها ضرا ولا نفعا إلا بحولك وقوتك ، أنت المستعان وعليك التكلان ، فلا تكلني إلى نفسي .

{ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } وذلك أن يوسف ، عليه السلام ، عَصَمه الله عصمة عظيمة ، وحماه فامتنع منها أشد الامتناع ، واختار السجن على ذلك ، وهذا في غاية مقامات الكمال : أنه مع شبابه وجماله وكماله تدعوه سيدته ، وهي امرأة عزيز مصر ، وهي مع هذا في{[15157]} غاية الجمال والمال ، والرياسة ويمتنع من ذلك ، ويختار السجن على ذلك ، خوفا من الله ورجاء ثوابه .

ولهذا ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله{[15158]} ورجل قلبه معلق بالمسجد{[15159]} إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا{[15160]} عليه ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات جمال ومنصب ، فقال : إني أخاف الله " {[15161]}


[15145]:- في ت ، أ : "قيل".
[15146]:- في ت ، أ : "أترنج".
[15147]:- في : "الأترج".
[15148]:- في أ : "والله".
[15149]:- في أ : "أترنجا".
[15150]:- في أ : "عليهن".
[15151]:- في ت ، أ : "وسلامه".
[15152]:- رواه مسلم في صحيحه برقم (162) من حديث أنس رضي الله عنه.
[15153]:- رواه الطبري في تفسيره (16/80) والحاكم في المستدرك (2/570) وابن عدي في الكامل (5/385) من طريق عفان عن حماد بن سلمة به ، وقال الحاكم : "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه". قال ابن عدي : "وهذا الحديث ما أعلم رفعه أحد غير عفان ، وغيره أوقفه عن حماد بن سلمة ، وعفان أشهر وأوثق وأصدق من أن يقال فيه شيء مما ينسب إلى الضعف".
[15154]:-) رواه الطبري في تفسيره (16/80).
[15155]:- في ت : "عليهن وهو".
[15156]:- في ت ، أ : "تتوعده".
[15157]:- في ت : "إلى".
[15158]:- في ت : "في طاعة الله عز وجل".
[15159]:- في ت ، أ : "في المسجد".
[15160]:- في ت ، أ : "وتفرقا".
[15161]:- صحيح البخاري برقم (1423) وصحيح مسلم برقم (1031) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُۥ رَبُّهُۥ فَصَرَفَ عَنۡهُ كَيۡدَهُنَّۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (34)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنّ إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ } .

قال أبو جعغر : إن قال قائل : وما وجه قوله : { فاسْتَجابَ لَه رَبّهُ } ، ولا مسألة تقدمت من يوسف لربه ، ولا دعا بصرف كيدهنّ عنه ، وإنما أخبر ربه أن السجن أحبّ إليه من معصيته ؟ قيل : إن في إخباره بذلك شكاية منه إلى ربه مما لقي منهنّ ، وفي قوله : { وَإلاّ تَصْرِفْ عَنّي كَيْدَهُنّ أصْبُ إلَيْهِنّ } معنى دعاء ومسألة منه ربه صرف كيدهنّ ، ولذلك قال الله تعالى ذكره : { فاسْتَجابَ لَهُ رَبّه } ، ُ وذلك كقول القائل لآخر : إن لا تزرني أُهِنْكَ ، فيجيبه الآخر : إذن أزورَك ، لأن في قوله : إن لا تزرني أهنك ، معنى الأمر بالزيارة . وتأويل الكلام : فاستجاب الله ليوسف دعاءه ، فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز وصواحباتها من معصية الله . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { فاسْتَجابَ لَهُ رَبّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنّ إنّهُ هُوَ السّمِيعُ العَلِيمُ } ، أي : نجاه من أن يركب المعصية فيهنّ ، وقد نزل به بعض ما حَذِر منهنّ .

وقوله : { إنّهُ هُوَ السّمِيعُ } : دعاء يوسف حين دعاه بصرف كيد النسوة عنه ، ودعاء كل داع من خلقه . { العَلِيمُ } ، بمطلبه وحاجته ، وما يصلحه ، وبحاجة جميع خلقه وما يصلحهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُۥ رَبُّهُۥ فَصَرَفَ عَنۡهُ كَيۡدَهُنَّۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (34)

{ فاستجاب له ربه } فأجاب الله دعاءه الذي تضمنه قوله : { وإلا تصرف } { فصرف عنه كيدهنّ } فثبته بالعصمة حتى وطن نفسه على مشقة السجن وآثرها على اللذة المتضمنة للعصيان . { إنه هو السميع } لدعاء الملتجئين إليه . { العليم } بأحوالهم وما يصلحهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُۥ رَبُّهُۥ فَصَرَفَ عَنۡهُ كَيۡدَهُنَّۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (34)

وقوله : { فاستجاب له ربه } الآية ، قول يوسف عليه السلام : { رب السجن } إلى قوله : { من الجاهلين } كلام يتضمن التشكي إلى الله عز وجل من حاله معهن ، والدعاء إليه في كشف بلواه . فلذلك قال - بعد مقالة يوسف - { فاستجاب له ربه } أي أجابه إلى إرادته وصرف عنه كيدهن في أن حال بينه وبين المعصية ، وقوله : { السميع العليم } صفتان لائقتان بقوله : { فاستجاب } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُۥ رَبُّهُۥ فَصَرَفَ عَنۡهُ كَيۡدَهُنَّۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (34)

عطْف جملة { فاستجاب } بفاء التعقيب إشارة إلى أنّ الله عجّل إجابة دعائه الذي تضمنه قوله : { وإلاّ تصرف عني كيدهن } . واستجاب : مبالغة في أجاب ، كما تقدم في قوله : { فاستعصم } [ سورة يوسف : 32 ] .

وصَرْف كيدهن عنه صَرْف أثره ، وذلك بأن ثبّته على العصمة فلم ينخدع لكيدها ولا لكيد خلائلها في أضيق الأوقات .

وجملة { إنّه هو السميع العليم } في موضع العلة ل { استجاب } المعطوف بفاء التعقيب ، أي أجاب دعاءه بدون مهلة لأنه سريع الإجابة وعليم بالضمائر الخالصة . فالسمع مستعمل في إجابة المطلوب ، يقال : سمع الله لمن حمده . وتأكيده بضمير الفصل لتحقيق ذلك المعنى .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُۥ رَبُّهُۥ فَصَرَفَ عَنۡهُ كَيۡدَهُنَّۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (34)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

إن قال قائل: وما وجه قوله: {فاسْتَجابَ لَه رَبّهُ}، ولا مسألة تقدمت من يوسف لربه، ولا دعا بصرف كيدهنّ عنه، وإنما أخبر ربه أن السجن أحبّ إليه من معصيته؟ قيل: إن في إخباره بذلك شكاية منه إلى ربه مما لقي منهنّ، وفي قوله: {وَإلاّ تَصْرِفْ عَنّي كَيْدَهُنّ أصْبُ إلَيْهِنّ} معنى دعاء ومسألة منه ربه صرف كيدهنّ، ولذلك قال الله تعالى ذكره: {فاسْتَجابَ لَهُ رَبّه}... وتأويل الكلام: فاستجاب الله ليوسف دعاءه، فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز وصواحباتها من معصية الله... عن ابن إسحاق: {فاسْتَجابَ لَهُ رَبّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنّ إنّهُ هُوَ السّمِيعُ العَلِيمُ}، أي: نجاه من أن يركب المعصية فيهنّ، وقد نزل به بعض ما حَذِر منهنّ.

وقوله: {إنّهُ هُوَ السّمِيعُ}: دعاء يوسف حين دعاه بصرف كيد النسوة عنه، ودعاء كل داع من خلقه. {العَلِيمُ}، بمطلبه وحاجته، وما يصلحه، وبحاجة جميع خلقه وما يصلحهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

(وإلا تصرف عني كيدهن) (فصرف عنه كيدهن) دلالة أنهن كن يدعونه إلى ذلك من وجه كان يخفى عليه، ولم يشعر به، فالتجأ إلى الله في صرف ذلك عنه...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

قوله: {فاستجاب له ربه} الآية، قول يوسف عليه السلام: {رب السجن} إلى قوله: {من الجاهلين} كلام يتضمن التشكي إلى الله عز وجل من حاله معهن، والدعاء إليه في كشف بلواه. فلذلك قال -بعد مقالة يوسف- {فاستجاب له ربه} أي أجابه إلى إرادته وصرف عنه كيدهن في أن حال بينه وبين المعصية، وقوله: {السميع العليم} صفتان لائقتان بقوله: {فاستجاب}.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فاستجاب له ربه} أي أوجد المحسن إليه إيجاداً عظيماً إجابة دعائه الذي تضمنه هذا الثناء، لأن الكريم يغنيه التلويح عن التصريح...وفعل ذلك سبحانه وتعالى إكراماً له وتحقيقاً لما سبق من وعده في قوله: {كذلك لنصرف عنه السوء} [يوسف: 24] الآية {فصرف عنه كيدهن} ثم علل ذلك بقوله: {إنه هو السميع} أي للأقوال {العليم} بالضمائر والنيات، فيجيب ما صح فيه القصد وطاب منه العزم...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{فاستجاب له ربه} ما دعاه به وطلبه منه الذي دل عليه هذا الابتهال والالتجاء إليه وطوي ذكره إيجازا {فصرف عنه كيدهن} فلم يصب إليهن، فيحتاج إلى جهاد نفسه لكفها عن الاستمتاع بهن، وعصمه أن يكون من الجاهلين باتباع هواهن {إنه هو السميع} المجيب لمن أخلص له الدعاء، جامعا بين مقامي الخوف والرجاء {العليم} بصدق إيمانهم، وما يصلح من أحوالهم، فعطف استجابة ربه له وصرف كيدهن عنه بالفاء الدالة على التعقيب وتعليلها بأنها مقتضى كمال صفتي السمع والعلم، دليل على أن ربه عز وجل لم يتخل عن عنايته بتربيته، أقصر زمن يهتم فيه بأمر نفسه ومجاهدته، ومؤيد لقوله تعالى في أول سياق هذه الفتنة {والله غالب على أمره}.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وهذا الصرف قد يكون بإدخال اليأس في نفوسهن من استجابته لهن، بعد هذه التجربة، أو بزيادة انصرافه عن الإغراء حتى لا يحس في نفسه أثرا منه. أو بهما جميعا...

(إنه هو السميع العليم) الذي يسمع ويعلم، يسمع الكيد ويسمع الدعاء، ويعلم ما وراء الكيد وما وراء الدعاء.

وهكذا اجتاز يوسف محنته الثانية، بلطف الله ورعايته. وانتهت بهذه النجاة الحلقة الثانية من قصته المثيرة.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عطْف جملة {فاستجاب} بفاء التعقيب إشارة إلى أنّ الله عجّل إجابة دعائه الذي تضمنه قوله: {وإلاّ تصرف عني كيدهن}. واستجاب: مبالغة في أجاب، كما تقدم في قوله: {فاستعصم} [سورة يوسف: 32].

وصَرْف كيدهن عنه صَرْف أثره، وذلك بأن ثبّته على العصمة فلم ينخدع لكيدها ولا لكيد خلائلها في أضيق الأوقات.

وجملة {إنّه هو السميع العليم} في موضع العلة ل {استجاب} المعطوف بفاء التعقيب، أي أجاب دعاءه بدون مهلة لأنه سريع الإجابة وعليم بالضمائر الخالصة.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

وهكذا أفاض الله عليه من رحمته ولطفه ورعايته، فاستطاع أن يتخلّص من كيدهن، بالموقف القويّ، والإرادة الصلبة، والإيمان المنفتح، فلم يستجب لكل ما أحاطته به تلك المرأة من إغراء يخاطب فيه مشاعر الغريزة، وأحاسيس الشهوة، ولم يخضع لكل الضغوط التي تحاصر حريته، وتهدّده بالسجن وبغيره من وسائل التعذيب. {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ} الذي يستجيب لكل عبدٍ مخلص يدعوه، بكل خشوعٍ وخضوعٍ، لينقذه من البلاء ويعصمه من السقوط في وهدة الانحراف، {فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ} بتثبيت موقفه على خط العفّة والصدق والإيمان، وتهيئة الظروف التي تضغط عليهن وتمنعهن من احتواء مقاومته، بالأساليب المتنوعة الساحرة.

{إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} الذي يسمع دعاء عباده ويعلم ما في داخلهم من صدق الشعور، ونقاء الروح، والرغبة في الالتزام...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وحيث إنّ وعد الله حقّ، وأنّه يُعين المجاهد (لنفسه أو لعدوّه) فإنّه لم يترك يوسف سُدىً وتلقفته رحمته ولطفه كما يقول القرآن الكريم: (فاستجاب له ربّه فصرف عنه كيدهن إنّه هو السميع العليم). فهو يسمع نجوى عبيده، وهو مطلع على أسرارهم، ويعرف طريق الحلّ لهم. ملاحظات:

كما رأينا من قبلُ فإنّ امرأة العزيز ونسوة مصر، استفدن من اُمور مختلفة في سبيل الوصول إلى مرادهن، فمرّة بإظهار العشق والعلاقة الشديدة والتسليم المحض، ومرّة بالترغيب والطمع، ثمّ بالتهديد، أو بتعبير آخر: توسلن بالشهوة والمال والقوّة!! وهذه اُصول متّحدة المآل يتوسّل بها الطغاة والمتجبرون في كلّ عصر وزمان، حتّى لقد رأينا كراراً ومراراً أنّهم ومن أجل أن يجبروا رجال الحقّ على الاستسلام، يظهرون لهم في مجلس واحد ليناً للغاية ويلوّحون بالمساعدات وأنواع الإمداد ترغيباً، ثمّ يتوسلون في نهاية المجلس بالتهديد والوعيد، ولا يلتفتون إلى ما في هذا من التناقض في مجلس واحد وما فيه من دناءة وخسّة ولؤم فاضح. والسبب واضح.. فهم يريدون الهدف ولا تهمّهم الوسيلة، وبتعبير آخر: يستسيغون للوصول إلى أهدافهم أي أسلوب وأيّة وسيلة كانت. وفي هذا المحيط يستسلم الأفراد الضعاف، سواء في أوّل المرحلة أو وسطها أو نهايتها، إلاّ أنّ أولياء الحقّ لا يكترثون بهذه الأساليب بما لديهم من شهامة وشجاعة ونور الإيمان ويرفضون التسليم بضرس قاطع حتّى ولو أدّى ذلك إلى الموت.. وعاقبتهم الانتصار طبعاً، انتصار أنفسهم وانتصار مبادئهم، أو على الأقل انتصار مبادئهم.

كثيرون هم مثل نسوة مصر، فطالما هم جالسون حول الحمى يظهرون أنفسهم منزّهين وأتقياء ويلبسون ثياب العفّة ويعدّون الانحراف كما هو في امرأة العزيز في ضلال مبين. ولكن حين يتعرّضون لأدنى صدمة ينكشف أنّ أقوالهم لا تصدّق أفعالهم.. فإذا كانت امرأة العزيز بعد سنين من معاشرة يوسف قد وقعت في شرك حبّه وعشقه، فإنّهم في أوّل مجلس يبتلون بمثل هذا المصير ويقطّعون «الأيدي» مكان «الأترنج».

هنا قد يرد سؤال وهو: لِمَ وافق يوسف على طلب امرأة العزيز وخرج على النسوة في المجلس؟ المجلس الذي ترتّب من أجل الإثم، أو لتبرئة امرأة آثمة؟! ولكن مع ملاحظة أنّ يوسف كان بحسب الظاهر غلاماً مشترى وعليه أن يخدم في القصر، فلعلّ امرأة العزيز استغلت هذه الفرصة والحيلة ليأتي بالطعام مثلا دون أن يعرف بهذه الخطّة ومكر النسوة. وخاصّة أنّنا قلنا إنّ تعبير القرآن (أخرج عليهن) كما يظهر منه أنّه لم يكن خارجاً، بل كان في إحدى الغرف المجاورة للمجلس كالمطبخ مثلا.

جملة (يدعونني إليه) وجملة (تصرف عنّي كيدهن) تدلاّن جيّداً على أنّ نسوة مصر ذوات الهوى بعد ما جرى لهنّ من تقطيع الأيدي والانبهار بجمال يوسف، وردن هذا الميدان أيضاً وطلبن من يوسف أن يستسلم لهنّ أو لامرأة العزيز، ولكن يوسف أبى عليهنّ جميعاً، وهذا يعني أنّ امرأة العزيز لم تكن وحدها في الجريمة بل كان لها شريكات في ذلك.

حين يقع الإنسان أسيراً بقبضة الشدائد والحوادث وتجرّه إلى شفى الهاوية، فعليه أن يتوكّل على الله ويلتجئ إليه ويستمدّ منه فقط، فإذا لم يحظ بلطفه وعونه فإنّه لا يستطيع أن يقوم بأي عمل، وهذا درس علّمنا إيّاه يوسف العظيم الطاهر الذيل، فهو القائل: (وإلاّ تصرف عنّي كيدهن أصبُ إليهن وأكن من الجاهلين) فأنت يا ربّ الحافظ لي، ولا أعتمد على قواي وقدرتي وتقواي. هذه الحالة «التعلّق المطلق بلطف الله» بالإضافة إلى أنّها تمنح عبادة الله قدرة واستقامة غير محدودة، فهي تشملهم بألطافه الخفيّة.. تلك الألطاف التي لا يمكن وصفها والتصديق بها إلاّ عند رؤيتها ومشاهدتها. فهؤلاء هم الذين يسكنون في ظلّ الله ورحمته في الدنيا والآخرة...