وقوله تعالى : { الذي جعل } الآية يحتمل أن يكون { الذي } بدلاً من { كفار } ويحتمل أن يكون صفة له من حيث تخصص { كفار } بالأوصاف المذكورة فجاز وصفه بهذه المعرفة ، ويحتمل أن يكون { الذي } ابتداء وخبره قوله : { فألقياه } ودخلت الفاء في قوله : { فألقياه } للإبهام الذي في { الذي } ، فحصل الشبه بالشرط وفي هذا نظر .
قال القاضي أبو محمد : ويقوى عندي أن يكون { الذي } ابتداء ، ويتضمن القول حينئذ بني آدم والشياطين المغوين لهم في الدنيا .
ولذلك تحرك القرين الشيطان المغوي في الدنيا ، فرام أن يبرئ نفسه ويخلصها بقوله : { ربنا ما أطغيته } لأنه كذب من نفي الإطغاء عن نفس جملة ، والحقيقة أنه أطغاه بالوسوسة والتزين ، وأطغاه الله بالخلق ، والاختراع حسب سابق قضائه الذي هو عدل منه ، لا رب غيره ، وبوصف الضلال بالبعيد مبالغة ، أي لتعذر رجوعه إلى الهدى .
يجوز أن يكون اسم الموصول بدلاً من { كَفَّار عنيد } فإن المعرفة تبدل من النكرة كقوله تعالى : { وإنك لتهْدِي إلى صراط مستقيم صراطِ الله } [ الشورى : 52 ، 53 ] ، على أن الموصول هنا تعريفه لفظي مجرد لأن معنى الصلة غير مخصوص بمعيّن ، وأن قوله : { فألقياه } تفريع على { ألقِيا في جهنم كلّ كفار عنيد } [ ق : 24 ] ومصبّ التفريع المتعلِّق وهو { في العذاب الشديد } ، أي في أشد عذاب جهنم تفريعاً على الأمر بإلقائه في جهنم تفريع بيان ، وإعادة فعل { ألقيا } للتأكيد مع تفريع متعلق الفعل المؤكد . وهذا من بديع النظم ، ونظيره قوله تعالى : { كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدَنا وقالوا مجنون وازدجر } [ القمر : 9 ] ففرع على قوله : { كذّبت } إلخ قوله : { فكذّبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر } . ومنه قوله تعالى : { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنّهم بمفازة من العذاب } [ آل عمران : 188 ] ، فالمقصود بالتفريع هو قوله : { بمفازة من العذاب } وإعادة { تحسبنهم } تفيد التأكيد ، وعليه ف { الذي جعل مع الله إلاها آخر } : الكفّار المضاف إليه { كلّ } [ ق : 24 ] فهو صادق على جماعة الكفّارين فضمير النصب في { ألقيناه } بمنزلة ضمير جمع ، أي فألقياهم .
ويجوز أن يكون اسم الموصول مبتدأ على استئناف الكلام ويضمّن الموصول معنى الشرط فيكون في وجود الفاء في خبره لأجل ما فيه من معنى الشرط وهذا كثير . والمقصود منه هنا تأكيد العموم الذي في قوله : { كل كفّار عنيد } .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: الذي أشرك بالله فعبد معه معبودا آخر من خلقه" فأَلْقِياهُ فِي العَذَابِ الشّدِيدِ "يقول: فألقياه في عذاب جهنم الشديد.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فألقياه في العذاب الشديد} وصف نار جهنم بالشدة لما أنه لا انقطاع لها. وكل عذاب يُرجى انقطاعه في بعض الأزمان ففيه بعض الراحة، والله أعلم...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"الذى جعل مع الله إلها آخر" أي اتخذ مع الله معبودا آخر من الأصنام والأوثان، ووجه قرباته إليه. والجعل: تكوين الشيء على غير ما كان بقادر عليه، فمن جعل مع الله إلها آخر فقد صير ذلك الشيء على غير ما كان عليه باعتقاده أنه إله آخر مع الله، وذلك جعل منه عظيم وذهاب عن الصواب بعيد، فيقول الله للملكين الموكلين به يوم القيامة "ألقياه" أي اطرحاه "في العذاب الشديد" والإلقاء: الرمي بالشيء إلى جهة السفل.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ثم أبدل من "كل " قوله بياناً لمبالغته في الكفر الذي أوجب له كل شر {الذي جعل} كفراً مضاعفاً وعناداً ومنعاً للخير الذي يجب عليه في قلبه ولسانه وبدنه، وتجاوزاً للحدود دخولاً في الشك وإدخالاً لغيره فيه {مع الله} أي الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال، فليس أمره خفياً عن كل ذي عقل {إلهاً}.
ولما كان ربما تعنت متعنت فنزل الآية على من يدعو الله بغير هذا الاسم الأعظم، صرح بالمراد بقوله: {آخر} وزاد الكلام أنه مأخوذ من التأخر الناظر إلى الرداءة والسقوط عن عين الاعتبار بالكلية.
ولما كان هذا قد جحد الحق الواجب لله لذاته مع قطع النظر عن كل شيء ثم ما يجب له من جهة- ربوبيته وإنعامه على كل موجود، ثم من جهة إدامة إحسانه مع المعصية بالحلم، وعاند في ذلك وفي إثباته للغير ما لا يصح له بوجه من الوجوه، سبب عن وصفه قوله: {فألقياه في العذاب} أي الذي يزيل كل عذوبة {الشديد}.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(فألقياه في العذاب الشديد) بيانا لمكانه من جهنم التي بدأ الأمر بإلقائه فيها.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ثمّ تضيف الآية التالية لتذكر وصفاً ذميماً لمن كان من طائفة الكفّار فتقول: (الذي جعل مع الله إلهاً آخر).
أجل: (فألقياه في العذاب الشديد).
وفي هذه الآيات بيان ستّة أوصاف لأهل النار، فالأوصاف الخمسة المتقدّمة بعضها لبعض بمثابة العلّة والمعلول، أمّا الوصف السادس فإيضاح للجذر الأصيل لهذه الأوصاف.
لأنّ معنى الكفّار هو من أصرّ على كفره كثيراً، وينتهي هذا الأمر إلى العناد.
والمعاند أو العنيد يصرّ على منع الخير أيضاً، ومثل هذا الشخص بالطبع يكون معتدياً متجاوزاً على حقوق الآخرين وحدود الله.
والمعتدون يصرّون على إيقاع الآخرين في الشكّ والريب وسلب الإيمان عنهم.
وهكذا تبيّن أنّ هذه الأوصاف الخمسة أي «الكفّار والعنيد والمنّاع للخير والمعتدي والمريب» يرتبط بعضها ببعض ارتباطا وثيقاً، وبعضها لبعض يشكّل علاقة اللازم بالملزوم.
وفي الوصف السادس أي (الذي جعل مع الله إلهاً آخر) يكمن الجذر الأصيل والأساس لجميع الانحرافات الآنف ذكرها، والمراد من هذا الوصف هو الشرك، لأنّ التدقيق فيه يكشف أنّ الشرك هو الباعث على جميع هذه الاُمور المتقدّمة!
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.