تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞نَبِّئۡ عِبَادِيٓ أَنِّيٓ أَنَا ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (49)

{ نَبِّئْ عِبَادِي } أي : أخبرهم خبرا جازما مؤيدا بالأدلة ، { أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } فإنهم إذا عرفوا كمال رحمته ، ومغفرته سَعَوا في الأسباب{[456]}  الموصلة لهم إلى رحمته وأقلعوا عن الذنوب وتابوا منها ، لينالوا مغفرته .


[456]:- في ب: بالأسباب.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞نَبِّئۡ عِبَادِيٓ أَنِّيٓ أَنَا ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (49)

والخطاب في قوله - تعالى - : { نبئ عبادى . . } للرسول صلى الله عليه وسلم والنبأ : الخبر العظيم . والمراد { بعبادى } : المؤمنون منهم ، والإِضافة للتشريف .

أى : أخبر - أيها الرسول الكريم - عبادى المؤمنين أنى أنا الله - تعالى - الكثير المغفرة لذنوبهم ، الواسع الرحمة لمسيئهم ، وأخبرهم - أيضًا - أن عذابى هو العذاب الشديد الإِيلام ، فعليهم أن يقدموا القول الطيب ، والعمل الصالح ، لكى يظفروا بمغفرتى ورحمتى ، وينجو من عذابى ونقمتى .

فأنت ترى أن الله - تعالى - قد جمع في هاتين الآيتين بين المغفرة والعذاب ، وبين الرحمة والانتقام ، وبين الوعد والوعيد ، لبيان سنته - سبحانه - في خلقه ، ولكى يعيش المؤمن حياته بين الخوف والرجاء ، فلا يقنط من رحمة الله ، ولا يقصر في أداء ما كلفه - سبحانه - به .

وقدم - سبحانه - نبأ الغفران والرحمة ، على نبأ العذاب والانتقام ، جريا على الأصل الذي ارتضته مشيئته ، وهو أن رحمته سبقت غضبه ، ومغفرته سبقت انتقامه .

والضمير " أنا " و " هو " في الآيتين الكريمتين ، للفصل ؛ لإِفادة تأكيد الخبر .

قال الإِمام الرازى ما ملخصه : وفى الآيتين لطائف :

إحداها : أنه أضاف - سبحانه - العباد إلى نفسه بقوله { عبادى } وهذا تشريف عظيم لهم . . .

وثانيها . أنه لما ذكر الرحمة والمغفرة بالغ في التأكيد بألفاظ ثلاثة : أولها : قوله { أنى } وثانيها قوله { أنا } ، وثالثها . إدخال حرف الألف واللام على قوله { الغفور الرحيم } ، ولما ذكر العذاب لم يقل : إنى أنا المعذب ، بل قال { وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العذاب الأليم } .

وثالثها : أنه أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ إليهم هذا المعنى ، فكأنه أشهده على نفسه في التزام المغفرة والرحمة .

ورابعها : أنه لما قال { نبئ عبادى } كان معناه نبئ كل من كان معترفًا بعبوديتى ، وهذا كما يدخل فيه المؤمن المطيع . فكذلك يدخل فيه المؤمن العاصى ، وكل ذلك يدل على تغليب جانب الرحمة من الله - تعالى - .

وقال الآلوسى : وأخرج الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله - تعالى - خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة ، فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة ، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر كل الذي عنده من رحمة لم ييأس من الرحمة ، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله - تعالى - من العذاب ، لم يأمن من النار " .

وأخرج عبد بن حميد وجماعة عن قتادة أنه قال في الآية : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو يعلم قدر عفو الله - تعالى - لما تورع من حرام ، ولو يعلم العبد قدر عذابه لبخع نفسه " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞نَبِّئۡ عِبَادِيٓ أَنِّيٓ أَنَا ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (49)

وقوله : { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ } أي : أخبر يا محمد عبادي أني ذو رحمة وذو عقاب أليم .

وقد تقدم ذكر نظير هذه الآية الكريمة ، وهي دالة على مقامي الرجاء والخوف ، وذكر في سبب نزولها ما رواه موسى بن عبيدة عن مصعب بن ثابت قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناس من أصحابه يضحكون ، فقال : " اذكروا الجنة ، واذكروا النار " . فنزلت : { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ } رواه ابن أبي حاتم . وهو مرسل{[16190]}

وقال ابن جرير ، حدثني المثنى ، حدثنا إسحاق ، أخبرنا ابن المكي ، أخبرنا ابن المبارك ، أخبرنا مصعب بن ثابت ، حدثنا عاصم بن عبيد الله ، عن ابن أبي رباح ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة ، فقال : " ألا أراكم تضحكون ؟ " ثم أدبر ، حتى إذا كان عند الحجر رجع إلينا القهقرى ، فقال : " إني لما خرجت جاء جبريل ، عليه السلام ، فقال : يا محمد ، إن الله يقول{[16191]} لم تقنط{[16192]} عبادي ؟ { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ }{[16193]}

وقال سعيد ، عن قتادة في قوله تعالى : { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } قال : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورع من حرام ، ولو يعلم قدر عقابه لبخع نفسه " {[16194]}


[16190]:أورده السيوطي في الدر المنثور (5/86) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم. وموسى بن عبيدة الربذي ضعيف.
[16191]:في أ: "يقول الله".
[16192]:في ت: "يقنط".
[16193]:تفسير الطبري (14/27).
[16194]:رواه الطبري في تفسيره (14/27) وابن أبي الدنيا في حسن الظن بالله برقم (64) من طريق سعيد به مرسلا، وروى موصولا نحوه عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري، أما حديث ابن عمر، فرواه ابن أبي الدنيا في حسن الظن بالله برقم (63) من طريق موسى عن عطية، عن ابن عمر مرفوعا: "لو تعلمون قدر رحمة الله عز وجل لا تكلتم وما عملتم من عمل، ولو علمتم قدر غضبه ما نفعكم شيء"، وحديث أبي سعيد، رواه البزار في مسنده ولفظه: "لو تعلمون قدر رحمة الله لا تكلتم - أحسبه قال: عليها". وقال الهيثمي في المجمع (10/384): "إسناده حسن".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞نَبِّئۡ عِبَادِيٓ أَنِّيٓ أَنَا ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (49)

هذا تصدير لذكر القصص التي أريد من التذكير بها الموعظة بما حلّ بأهلها ، وهي قصة قوم لوط وقصة أصحاب الأيكة وقصة ثمود .

وابتدىء ذلك بقصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما فيها من كرامة الله له تعريضاً بالمشركين إذ لم يقتفوا آثاره في التوحيد .

فالجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً وهو مرتبط بقوله في أوائل السورة : { وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم } [ سورة الحجر : 4 ] .

وابتداء الكلام بفعل الإنباء لتشويق السامعين إلى ما بعده كقوله تعالى : { هل أتاك حديث الجنود } [ سورة البروج : 17 ] ونحوه . والمقصود هو قوله تعالى الآتي : { ونبئهم عن ضيف إبراهيم } [ سورة الحجر : 51 ] . وإنما قدم الأمر بإعلام الناس بمغفرة الله وعذابه ابتداء بالموعظة الأصلية قبل الموعظة بجزئيات حوادث الانتقام من المعاندين وإنجاء من بينهم من المؤمنين لأن ذلك دائر بين أثر الغفران وبين أثر العذاب .

وقدمت المغفرة على العذاب لسبق رحمته غضبه .