تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا} (10)

فلما أمره الله بالصلاة خصوصا ، وبالذكر عموما ، وذلك يحصل للعبد ملكة قوية في تحمل الأثقال ، وفعل الثقيل{[1263]}  من الأعمال ، أمره بالصبر على ما يقول فيه المعاندون له ويسبونه ويسبون ما جاء به ، وأن يمضي على أمر الله ، لا يصده عنه صاد ، ولا يرده راد ، وأن يهجرهم هجرا جميلا ، وهو الهجر حيث اقتضت المصلحة الهجر الذي لا أذية فيه ، فيقابلهم{[1264]}  بالهجر والإعراض عنهم وعن أقوالهم التي تؤذيه ، وأمره بجدالهم بالتي هي أحسن .


[1263]:- في ب: وفعل المشق.
[1264]:- في ب: بل يعاملهم.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا} (10)

ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بالصبر الجميل ، على أذى قومه فقال : { واصبر على مَا يَقُولُونَ واهجرهم هَجْراً جَمِيلاً . . . } .

أى : اجعل يا محمد اعتمادك وتوكلك على وحدى ، واصبر على ما يقوله أعداؤك فى حقك من أكاذيب وخرافات . . واهجرهم هجرا جميلا ، أى : واعتزلهم وابتعد عنهم ، وقاطعهم مقاطعة حسنة ، بحيث لا تقابل السيئة يمثلها ، ولا تزد على هجرهم : بأن تسبهم ، أو ترميهم بالقبيح من القول . .

قال الإِمام الرازى ما ملخصه : والمعنى أنك لما اتخذتنى وكيلا فاصبر على ما يقولون ، وفوض أمرهم إلى ، فإنى لما كنت وكيلا لك أقوم بإصلاح أمرك ، أحسن من قيامك بإصلاح نفسك .

واعلم أن مهمات العباد محصورة فى أمرين : فى كيفية معاملتهم مع الله ، وقد ذكر - سبحانه - ذلك فى الآيات السابقة ، وفى كيفية معاملتهم مع الخلق ، وقد جمع - سبحانه - كل ما يحتاج إليه فى هذا الباب فى هاتين الكلمتين ، وذلك لأن الإِنسان إما أن يكون مخالطا للناس ، أو مجانبا لهم .

فإن كان مخالطا لهم فعليه أن يصبر على إيذائهم . . وإما أن يكون مجانبا لهم ، فعليه أن يهجرهم هجرا جميلا . . بأن يجانبهم بقلبه وهواه ، ويخالفهم فى أفعالهم ، مع المداراة والإِغضاء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا} (10)

يقول تعالى آمرًا رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يقوله من كذبه من سفهاء قومه ، وأن يهجرهم هجرًا جميلا وهو الذي لا عتاب معه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا} (10)

واصبر على ما يقولون من الخرافات واهجرهم هجرا جميلا بأن تجانبهن وتداريهم ولا تكافئهم وتكل أمرهم إلى الله فالله يكفيكهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا} (10)

وقوله تعالى : { واصبر على ما يقولون } الآية ، قيل هي موادعة منسوخة بآية السيف ، والمراد بالآية قريش . وقال بعض العلماء : قوله { واهجرهم هجراً جميلاً } منسوخ ، وأما الصبر على ما يقولون فقد يتوجه أحياناً ويبقى حكمه ، وفيما يتوجه من الهجر الجميل من المسلمين ، قال أبو الدرداء : إنا لنكشر في وجوه قوم وإن قلوبنا لتقليهم . والقول الأول أظهر لأن الآية إنما هي في كفر قريش وردهم رسالته وإعلائهم بذلك لا يمكن أن يكون الحكم في هذه المعاني باقياً .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا} (10)

عطف على قوله : { فاتخذه وكيلاً } [ المزمل : 9 ] ، والمناسبة أن الصبر على الأذى يستعان عليه بالتوكل على الله .

وضمير { يقولون } عائد إلى المشركين ، ولم يتقدم له معاد فهو من الضمائر التي استُغني عن ذكر معادها بأنه معلوم للسامعين كما تقدم غير مرة ، ومن ذلك عند قوله تعالى : { وأن لو استقاموا على الطريقة } [ الجن : 16 ] الآيات من سورة { قل أوحى إليّ } [ الجن : 1 ] ، ولأنه سيأتي عقبه قوله { وذَرْني والمكذبين } [ المزمل : 11 ] فيبين المراد من الضمير .

وقد مضى في السور التي نزلت قبل سورة المزمل مقالات أذى من المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ففي سورة العلق ( 9 ، 10 ) { أرأيت الذي ينهَى عبداً إذا صلى } قيل هو أبو جهل تهدّد رسول الله لئن صلى في المسجد الحرام ليَفْعَلَنّ ويفعلَنّ . وفيها : { إِن الإِنسان ليطغى أن رءاه استغنى } [ العلق : 6 ، 7 ] . قيل هو الأخنس بن شريق « تنكَّر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كان حليفه » ، وفي سورة القلم ( 2 15 ) { ما أنت بنِعْمة ربّك بمجنون } إلى قوله : { فستبصر ويُبصرون بأيكم المفتون } ، وقوله : { ولا تطِع كلّ حلاّف مهين } إلى قوله : { قال أساطير الأولين } [ القلم : 15 ] ردّاً لمقالاتهم . وفي سورة المدثر ( 11 25 ) إن كانت نزلت قبل سورة المزمل { ذرني ومن خلقت وحيداً } إلى قوله : { إِنْ هذا إلاَّ قول البشر } ، قيل : قائل ذلك الوليد بن المغيرة . فلذلك أمر الله رسوله بالصبر على ما يقولون .

والهجر الجميل : هو الحسَن في نوعه ، فإن الأحوال والمعاني منها حسن ومنها قبيح في نوعه وقد يقال : كَريم ، وذميم ، وخالص ، وكدر ، ويَعْرِض الوصف للنوع بما من شأنه أن يقترن به من عوارض تناسب حقيقة النوع فإذا جُردت الحقيقة عن الأعراض التي قد تعتلق بها كان نوعها خالصاً ، وإذا ألصق بالحقيقة ما ليس من خصائصها كان النوع مكدّراً قبيحاً ، وقد أشار إلى هذا قوله تعالى : { لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى } [ البقرة : 264 ] ، وتقدم عند قوله تعالى : { إنيَ أُلقِيَ إليَّ كتاب كريم } في سورة النمل ( 29 ) ، ومن هذا المعنى قوله : { فصبر جميل } في سورة يوسف ( 18 ) ، وقوله فاصبر صبراً جميلاً في سورة المعارج ( 5 ) .

فالهجر الجميل هو الذي يَقتصر صاحبه على حقيقة الهجر ، وهو ترك المخالطة فلا يقرنها بجفاء آخر أو أذى ، ولما كان الهجر ينشأ عن بعض المهجور ، أو كراهية أعماله كان معرَّضاً لأن يعتلق به أذى من سبّ أو ضرب أو نحو ذلك . فأمر الله رسوله بهجر المشركين هجراً جميلاً ، أي أن يهجرهم ولا يزيدَ على هجرهم سَبّاً أو انتقاماً .

وهذا الهجر : هو إمساك النبي عن مكافاتهم بمثل ما يقولونه مما أشار إليه قوله تعالى : واصبر على ما يقولون .

وليس منسحباً على الدعوة للدين فإنها مستمرة ولكنها تبليغ عن الله تعالى فلا ينسب إلى النبي .

وقد انتزع فخر الدين من هذه الآية منزعاً خُلُقياً بأن الله جمع ما يحتاج إليه الإِنسان في مخالطَة الناس في هاتين الكلمتين لأن المرء إما أن يكون مخالطاً فلا بد له من الصبر على أذاهم وإيحاشهم لأنه إن أطمع نفسه بالراحة معهم لم يجدها مستمرة فيقع في الغموم إن لم يَرضْ نفسه بالصبر على أذاهم ، وإن ترك المخالطة فذلك هو الهجر الجميل .