تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ} (28)

{ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ } بعدما تبين الرشد من الغي ، والهدى من الضلال .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ} (28)

{ لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } أى : هو نافع لمن شاء منكم - أيها الناس - أن يستقيم على طريق الحق ، وأن يلزم الرشاد ويترك الضلال .

والجملة الكريمة بدل مما قبلها ، للإِشعار بأن الذين استجابوا لهدى القرآن قد شاءوا لأنفسهم الهداية والاستقامة .

فالمقصود بهذه الجملة : الثناء عليهم ، والتنويه بشأنهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ} (28)

وأمام هذا البيان الموحي الدقيق يذكرهم أن طريق الهداية ميسر لمن يريد . وأنهم إذن مسؤولون عن أنفسهم ، وقد منحهم الله هذا التيسير :

( لمن شاء منكم أن يستقيم ) . .

أن يستقيم على هدى الله ، في الطريق إليه ، بعد هذا البيان ، الذي يكشف كل شبهة ، وينفي كل ريبة ، ويسقط كل عذر . ويوحي إلى القلب السليم بالطريق المستقيم . فمن لم يستقم فهو مسؤول عن انحرافه . فقد كان أمامه أن يستقيم .

والواقع أن دلائل الهدى وموحيات الإيمان في الأنفس والآفاق من القوة والعمق والثقل بحيث يصعب على القلب التفلت من ضغطها إلا بجهد متعمد . وبخاصة حين يسمع التوجيه إليها بأسلوب القرآن الموحي الموقظ . وما ينحرف عن طريق الله - بعد ذلك - إلا من يريد أن ينحرف . في غير عذر ولا مبرر !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ} (28)

وأبدل من { للعالمين } قوله : { لمن شاء منكم أن يستقيم } بدل بعض من كل ، وأعيد مع البدل حرف الجر العامل مثله في المبدل منه لتأكيد العامل كقوله تعالى : { ومن النخل من طلعها قنوان } [ الأنعام : 99 ] وقوله : { قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم } وتقدم في سورة الأعراف ( 75 ) . و الخطاب في قوله : { منكم } للذين خوطبوا بقوله : { فأين تذهبون } [ التكوير : 26 ] وإذا كان القرآن ذكراً لهم وهم من جملة العالمين كان ذكر : { لمن شاء أن يستقيم } من بقية العالمين أيضاً بحكم قياس المساواة ، ففي الكلام كناية عن ذلك .

وفائدة هذا الإِبدال التنبيه على أن الذين تذكروا بالقرآن وهم المسلمون قد شاؤوا الاستقامة لأنفسهم فنصحوا أنفسهم ، وهو ثناء عليهم .

وفي مفهوم الصلة تعريض بأن الذين لم يتذكروا بالقرآن ما حال بينهم وبين التذكر به إلا أنهم لم يشاؤوا أن يستقيموا ، بل رضوا لأنفسهم بالاعوجاج ، أي سوء العمل والاعتقاد ، ليعلم السامعون أن دوام أولئك على الضلال ليس لقصور القرآن عن هديهم بل لأنهم أبوا أن يهتدوا به ، إما للمكابرة فقد كانوا يقولون : { قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب } [ فصلت : 5 ] وإما للإِعراض عن تلقيه : { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون } [ فصلت : 26 ] .

والاستقامة مستعارة لصلاح العمل الباطني ، وهو الاعتقاد ، والظاهري وهو الأفعال والأقوال تشبيهاً للعمل بخط مستقيم تشبيهَ معقول بمحسوس . ثم إن الذين لم يشاءوا أن يستقيموا هم الكافرون بالقرآن وهم المسوق لهم الكلام ، ويلحق بهم على مقادير متفاوتة كل من فرط في الاهتداء بشيء من القرآن من المسلمين فإنه ما شاء أن يستقيم لما فَرَط منه في أحوال أو أزمان أو أمكنة .

وفي هذه الآية إشارة بينة على أن من الخطأ أن يوزن حال الدين الإِسلامي بميزان أحوال بعض المسلمين أو معظمهم كما يفعله بعض أهل الأنظار القاصرة من الغربيين وغيرهم إذ يجعلون وجهة نظرهم التأمل في حالة الأمم الإِسلامية ويَسْتَخلصون من استقرائها أحكاماً كلية يجعلونها قضايا لفلسفتهم في كنه الديانة الإِسلامية .

وهذه الآية صريحة في إثبات المشيئة للإِنسان العاقل فيما يأتي ويدع ، وأنه لا عذر له إذا قال : هذا أمر قُدِّر ، وهذا مكتوب عند الله ، فإن تلك كلمات يضعونها في غير محالها ، وبذلك يبطل قول الجبرية ، ويثبت للعبد كسب أو قدرة على اختلاف التعبير .