ثم أوجب تعالى لهم الويل من يومهم الذي يأتي فيه عذابهم . والويل : الشقاء والهم ، وروي أن في جهنم وادياً يسمى : ويلاً . والطبري يذهب أبداً إلى أن التوعد إنما هو به ، وذلك في هذا الموضع قلق ، لأن هذا الويل إنما هو { من يومهم } الذي هو في الدنيا ، و : { من } لابتداء الغاية . وقال جمهور المفسرين : هذا التوعد هو بيوم القيامة . وقال آخرون ذكره الثعلبي هو يوم بدر . وفي : { يوعدون } ضمير عائد ، التقدير : يوعدون به ، أو يوعدونه .
نجز تفسير سورة «الذاريات » والحمد لله رب العالمين كثيراً ، وصلى الله عليه سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وعن جميع تابعيه .
فرع على وعيدهم إنذار آخر بالويل ، أو إنشاءُ زَجر .
والويل : الشر وسوء الحال ، وتقدم في قوله : { فويل لهم مما كتبت أيديهم } في سورة البقرة ( 79 ) ، وتنكيره للتعظيم .
والكلام يحتمل الإِخبار بحصول ويل ، أي عذاب وسوء حال لهم يوم أوعدوا به ، ويحتمل إنشاء الزجر والتعجيب من سوء حالهم في يَوم أُوعدوه .
و ( مِن ) للابتداء المجازي ، أي سوء حال بترقبهم عذاباً آتياً من اليوم الذي أوعدوه .
والذين كفروا : هم الذين ظلموا ، عدل عن ضميرهم إلى الاسم الظاهر لما فيه من تأكيد الاسم السابق تأكيداً بالمرادف ، مع ما في صفة الكفر من الإِيماء إلى أنهم لم يشكروا نعمة خالقهم .
واليوم الذي أوعدوه هو زمن حلول العذاب فيحتمل أن يراد يوم القيامة ويحتمل حلول العذاب في الدنيا ، وأيًّا مَّا كان فمضمون هذه الجملة مغاير لمضمون التي قبلها .
وإضافة ( يوم ) إلى ضميرهم للدلالة على اختصاصه بهم ، أي هو معيّن لجزائهم كما أضيف يوم إلى ضمير المؤمنين في قوله تعالى : { وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون } [ الأنبياء : 103 ] . واليوم : يصدق بيوم القيامة ، ويصدق بيوم بدر الذي استأصل الله فيه شوكتهم .
ولما كان المضاف إليه ضمير الكفار المعينين وهم كفار مكة ترجح أن يكون المراد من هذا اليوم يوماً خاصاً بهم وإنما هو يوم بدر لأن يوم القيامة لا يختص بهم بل هو عام لكفار الأمم كلهم بخلاف اليوم الذي في قوله في سورة الأنبياء ( 103 ) : { وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون } لأن ضمير الخطاب فيها عائد إلى { الذين سبقت لهم منا الحسنى } [ الأنبياء : 101 ] كلهم .
وفي الآية من اللطائف تمثيل ما سيصيب الذين كفروا بالذنوب ، والذنوب يناسب القليب وقد كان مثواهم يوم بدر قليبَ بدر الذي رُميت فيه أشلاء سادتهم وهو اليوم القائل فيه شداد بن الأسود الليثي المكنَّى أبا بكر يرثي قتلاهم :
وماذا بالقليبِ قليبِ بدر *** مـن الشيزى تُزيَّن بالسَّنَام
تحيّى بالسلامة أمّ بكر *** وهل لي بعد قومي من سَلام
ولعلّ هذا مما يشمل قول النبي صلى الله عليه وسلم حين وقف على القليب يوم بدر { قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً } [ الأعراف : 44 ]
وفي قوله : { من يومهم الذي يوعدون } مع قوله في أول السورة { إن ما توعدون لصادق } [ الذاريات : 5 ] ردّ العجز على الصدر ، ففيه إيذان بانتهاء السورة وذلك من براعة المقطع .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فويل للذين كفروا} يعني كفار مكة {من يومهم} في الآخرة {الذي} فيه {يوعدون} العذاب...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فالوادي السائل في جهنم من قيح وصديد للذين كفروا بالله وجحدوا وحدانيته" من يومهم الذي يوعدون "فيه نزول عذاب الله إذا نزل بهم ماذا يلقون فيه من البلاء والجهد.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
... فإن قيل: كيف خوّف الله، جلّ وعلا، هذه الأمّة بما أنزل على الأمم الخالية من الاستئصال والإهلاك، وقد عفا هذه الأمّة عن هذا، وأمّنهم منه؟ قيل: إنما خوّفهم بما ذكر لأن المعنى الذي استوجب أولئك الاستئصال والإهلاك به يحتمل أن يتحقّق ذلك في هؤلاء. وقد يحتمل ألا يكون. فالتخويف صحيح لهؤلاء بهم، وإنما يكون مثل هذا التخويف في أول الأمر، ثم إن الله بفضله ورحمته عفا عنهم بفضل النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته كقوله: {وما أرسلناك لا رحمة للعالمين} [الأنبياء: 107]. ويحتمل أن يكون العفو لهم عن ذلك بالتأخير عنهم إلى وقت، وهو وقت قبض أرواحهم وخروجهم من الدنيا، وفي ذلك الوقت يعاقبون بأنواع العذاب، وينزل بهم ما نزل بأولئك لا أنهم عُفُوا عن ذلك أصلا.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"فويل للذين كفروا" وحدانيتي وجحدوا نبوة رسولي "من يومهم الذي يوعدون" فيه بإنزال العذاب بالعصاة وهو يوم القيامة. والويل كلمه تقولها العرب لكل من وقع في مهلكة...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والويل: الشقاء والهم، وروي أن في جهنم وادياً يسمى: ويلاً. والطبري يذهب أبداً إلى أن التوعد إنما هو به، وذلك في هذا الموضع قلق، لأن هذا الويل إنما هو {من يومهم} الذي هو في الدنيا...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
فنزل بهم يوم بدر ما حقق به وعده وعجل بهم انتقامه، ثم لهم في الآخرة العذاب الدائم، والخزي القائم، الذي لا انقطاع له ولا نفاد، ولا غاية ولا آباد..
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فويل} أي شر حال وعذاب يوجب الندب والتفجع {للذين كفروا} أي ستروا ما ظهر من هذه الأدلة التي لا يسع عاقلاً إنكارها...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والكلام يحتمل الإِخبار بحصول ويل، أي عذاب وسوء حال لهم يوم أوعدوا به، ويحتمل إنشاء الزجر والتعجيب من سوء حالهم في يَوم أُوعدوه. ولما كان المضاف إليه ضمير الكفار المعينين وهم كفار مكة ترجح أن يكون المراد من هذا اليوم يوماً خاصاً بهم وإنما هو يوم بدر لأن يوم القيامة لا يختص بهم بل هو عام لكفار الأمم كلهم بخلاف اليوم الذي في قوله في سورة الأنبياء (103): {وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون} لأن ضمير الخطاب فيها عائد إلى {الذين سبقت لهم منا الحسنى} [الأنبياء: 101] كلهم.