وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين . .
ولا يذكر تفصيلات هنا عن هذا المطر المهلك كما وردت تفصيلاته في السور الأخرى . فنكتفي نحن بهذا مجاراة للسياق . ولكننا نلمح في اختيار هلاك قوم لوط بالمطر ، وهو الماء المحيي المنبت أنه مماثل لاستخدامهم ماء الحياة - ماء النطف - في غير ما جعل له وهو أن يكون مادة حياة وخصب . . والله أعلم بقوله ومراده ، وأعلم بسننه وتدبيره . وإن هو إلا رأي أراه في هذا التدبير .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاّ امْرَأَتَهُ قَدّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ } .
يقول تعالى ذكره : فأنجينا لوطأ وأهله سوى امرأته من عذابنا حين أحللناه بهم ، ثم قَدّرْناها يقول : فإن امرأته قدرناها : جعلناها بتقديرنا مِنَ الغابِرِينَ من الباقين وأمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَرا وهو إمطار الله عليهم من السماء حجارة من سجيل فَساءَ مَطَرُ المُنْذَرِينَ يقول : فساء ذلك المطر مطر القوم الذين أنذرهم الله عقابه على معصيتهم إياه ، وخوّفهم بأسه بإرسال الرسول إليهم بذلك .
و «المطر » الذي مطر عليه هي حجارة السجيل أهلكت جميعهم ، وهذه الآية أصل لمن جعل من الفقهاء الرجم في اللوطية ، وبها تأنس لأن الله تعالى عذبهم على كفرهم به وأرسل عليهم الحجارة لمعصيتهم ولم يقس هذا القول على الزنا فيعتبر الإحصان .
بل قال مالك وغيره يرجمان في اللوطية أحصنا أو لم يحصنا وإنما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم «اقتلوا الفاعل والمفعول به »{[4]} فذهب من ذهب إلى رجمهما بهذه الآية .
وأما الاختلاف بين { فساء مطر المنذرين } وبين { فانظر كيف كان عاقبة المجرمين } [ الأعراف : 84 ] فهما عبرتان بحالهم تفرعتا على وصف ما حلّ بهم فوزعت العبرتان على الآيتين لئلا يخلو تكرير القصة من فائدة .
والمراد بآل لوطٍ لوطٌ وأهل بيته لأن ربّ البيت ملاحظ في هذا الاستدلال كقوله تعالى { أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب } [ غافر : 46 ] ، أراد فرعون وآله .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وأمطرنا عليهم مطرا} يعني: الحجارة {فساء} يعني: فبئس {مطر المنذرين} يعني: الذين أنذروا بالعذاب...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وأمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَرا" وهو إمطار الله عليهم من السماء حجارة من سجيل "فَساءَ مَطَرُ المُنْذَرِينَ" يقول: فساء ذلك المطر مطر القوم الذين أنذرهم الله عقابه على معصيتهم إياه، وخوّفهم بأسه بإرسال الرسول إليهم بذلك.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي ساء مطر المنذرين الذين لم يقبلوا الإنذار، ولم تنفعهم النذارة.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و «المطر» الذي مطر عليهم هي حجارة السجيل أهلكت جميعهم، وهذه الآية أصل لمن جعل من الفقهاء الرجم في اللوطية، وبها تأنس لأن الله تعالى عذبهم على كفرهم به وأرسل عليهم الحجارة لمعصيتهم ولم يقس هذا القول على الزنا فيعتبر الإحصان. بل قال مالك وغيره يرجمان في اللوطية أحصنا أو لم يحصنا، وإنما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ««اقتلوا الفاعل والمفعول به» فذهب من ذهب إلى رجمهما بهذه الآية.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا} أي: حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد؛ ولهذا قال: {فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} أي: الذين قامت عليهم الحجة، ووصل إليهم الإنذار، فخالفوا الرسول وكذبوه، وَهمُّوا بإخراجه من بينهم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وأمطرنا} وأشار إلى أنه إمطار عذاب بالحجارة مع تعديته بالهمزة وهو معدى بدونها فصارت كأنها لإزالة الإغاثة بالإتيان بضدها بقوله: {عليهم} وأشار إلى سوء الأثر لاستلزامه سوء الفعل الذي نشأ عنه وغرابته بقوله: {مطراً} أي وأيّ مطر؛ ولذلك سبب عنه قوله: {فساء مطر المنذرين} أي الذين وقع إنذارنا لهم الإنذار الذي هو الإنذار.
أي: قبح هذا المطر، وإن أبهم المطر هنا فقد وضحه الحق- تبارك وتعالى- في آيات أخرى فقال: من طين، ومن سجيل، وهو الطين إذا حرق، فصار فخارا، وهذه الحجارة منظمة مسومة صنعها الله لهم بحساب دقيق، فلكل واحد منهم حجره المسمى باسمه، والذي لا يخطئه إلى غيره.