{ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } والزرابى جمع زربية - بتثليث الزاى - وهى البساط الواسع الفاخر ، أو ما يشبه من الأشياء الثمينة التى تتخذ للجلوس عليها .
والمبثوثة : أى : المنتشرة على الأرض ، من البث بمعى النشر ، كما فى قوله - تعالى - : { وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ } أى : وفيها بسط فاخرة جميلة . . مبسوطة فى كل مكان ، ومتفرقة فى كل مجلس .
فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف الجنة التى أعدها - سبحانه - لعباده المتقين بعدد من الصفات الكريمة المتنوعة .
وصفها بأنها عالية فى ذاتها ، وبأنها خالية من الكلام الساقط ، وبأن ميالها لا تنقطع ، وبأن أثاثها فى غاية الفخامة ، حيث اجتمع فيها كل ما هو مريح ولذيذ .
( وزرابي مبثوثة ) . . والزرابي البسط ذات الخمل " السجاجيد " مبثوثة هنا وهناك للزينة وللراحة سواء !
وكلها مناعم مما يشهد الناس له أشباها في الأرض . وتذكر هذه الأشياء لتقريبها إلى مدارك أهل الأرض . أما طبيعتها وطبيعة المتاع بها فهي موكولة إلى المذاق هناك . للسعداء الذين يقسم الله لهم هذا المذاق !
ومن اللغو الدخول في موازنات أو تحقيقات حول طبيعة النعيم - أو طبيعة العذاب - في الآخرة . فإدراك طبيعة شيء ما متوقف على نوع هذا الإدراك . وأهل الأرض يدركون بحس مقيد بظروف هذه الأرض وطبيعة الحياة فيها . فإذا كانوا هناك رفعت الحجب وأزيلت الحواجز وانطلقت الأرواح والمدارك ، وتغيرت مدلولات الألفاظ ذاتها بحكم تغير مذاقها ، وكان ما سيكون ، مما لا نملك أن ندرك الآن كيف يكون !
إنما نفيد من هذه الأوصاف أن يستحضر تصورنا أقصى ما يطيقه من صور اللذاذة والحلاوة والمتاع . وهو ما نملك تذوقه ما دمنا هنا . حتى نعرف حقيقته هناك . حين يكرمنا الله بفضله ورضاه .
وقوله : { وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } قال ابن عباس : الزرابي : البسط . وكذا قال الضحاك ، وغير واحد .
ومعنى مبثوثة ، أي : هاهنا وهاهنا لمن أراد الجلوس عليها .
ونذكر هاهنا هذا الحديث الذي رواه أبو بكر بن أبي داود : حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا أبي ، عن محمد بن مهاجر ، عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى : حدثني كُرَيْب أنه سمع أسامة بن زيد يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا هل من مُشَمَّر للجنة ، فإن الجنة لا خَطَر لها ، هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة ، وحُلَل كثيرة ، ومقام في أبد في دارٍ سليمة ، وفاكهة وخضرة ، وحبرة ونعمة ، في محلة عالية بهية ؟ " . قالوا : نعم يا رسول الله ، نحن المشمرون لها . قال : " قولوا : إن شاء الله " . قال القوم : إن شاء الله .
ورواه ابن ماجة عن العباس بن عثمان الدمشقي ، عن الوليد بن مسلم{[30000]} عن محمد بن مهاجر به{[30001]} .
وقوله : وَزَرَابِيّ مَبْثُوثَةٌ يقول تعالى ذكره : وفيها طنافس وبُسط كثيرة مبثوثة مفروشة ، والواحدة : زِرْبية ، وهي الطّنفسة التي لها خمل رقيق . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن منصور ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن سفيان ، قال : حدثنا توبة العنبريّ ، عن عكرِمة بن خالد ، عن عبد الله بن عمار ، قال : رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلّي على عَبْقَريّ ، وهو الزرابيّ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَزَرَابِيّ مَبْثُوثَةٌ : المبسوطة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وفيها طنافس وبُسط كثيرة مبثوثة مفروشة ، والواحدة : زِرْبية ، وهي الطّنفسة التي لها خمل رقيق . ...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
أحدهما : هي البسط الفاخرة ، قاله ابن عيسى .
الثاني : هي الطنافس المخملية ، قاله الكلبي والفراء .
الثاني : بعضها فوق بعض ، قاله عكرمة .
الثالث : الكثيرة ، قاله الفراء .
الرابع : المتفرقة ، قاله ابن قتيبة . ...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
ومبثوثة : أي مفرقة في المجالس بحيث يرى في كل مجلس شيء منها كما يرى في بيوت ذوي الثراء . ... وقد ذكر سبحانه كل ما سلف تصويرا لترف أهل الجنة تصويرا يقربه من عقولهم ، ويستطيعون به إدراكه وفهمه ، وإلا فإن نعيم الجنة مما يسمو على الفكر ويعلو فوق متناول الإدراك ؛ فالأشياء التي عددها سبحانه تتشابه مع نظائرها التي في هذه الحياة بأسمائها ، فأما حقائقها وذواتها فليست مثلها ولا قريبا منها ، كما أثر عن ابن عباس أنه قال : ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء . ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ذكرت الآيات المبحوثة سبع نعم رائعة من نعم الجنّة ، وكلّ منها أكثر روعة من الاُخرى . والخلاصة : فمنزل الجنّة لا مثيل له من كلّ الجهات ، فهو الخالي من أي ألم أو عذاب أو حرب أو جدال . . وتجد فيه كلّ ألوان الثمار والأنعام والعيون الجارية والأشربة الطاهرة والولدان المخلدين والحور العين والأسرة المرصعة والفرش الفاخرة وأقداح جميلة في متناول اليد وجلساء أصفياء ، إلى غير ذلك ممّا لا يمكن عدّه بلسان أو وصفه بقلم ولا حتى تخيله إذا ما سرحت المخيّلة في عالمها الرحب ! . . وكلّ ما ذكر وغيره سيكون في انتظار من آمن وعمل صالحاً ، بعد حصوله على إذن الدخول إلى تلك الدار العالية . وفوق هذا وذاك فثمّة «لقاء اللّه » ، الذي ليس من فوز يوازيه ....
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.