{ وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشيطان } أى : ولا يمنعنكم الشيطان بسبب وسوسته لكم ، عن طاعتى واتباعى { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } أى : إن الشيطان عداوته لكم ظاهرة ، وكيد لكم واضح ، كما قال - تعالى - :
{ إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السعير }
ويبين لهم أن انحرافهم وشرودهم أثر من اتباع الشيطان . والرسول أولى أن يتبعوه :
( ولا يصدنكم الشيطان . إنه لكم عدو مبين ) . .
والقرآن لا يفتأ يذكر البشر بالمعركة الخالدة بينهم وبين الشيطان منذ أبيهم آدم ، ومنذ المعركة الأولى في الجنة . وأغفل الغافلين من يعلم أن له عدواً يقف له بالمرصاد ، عن عمد وقصد ، وسابق إنذار وإصرار ثم لا يأخذ حذره ثم يزيد فيصبح تابعاً لهذا العدو الصريح !
وقد أقام الإسلام الإنسان في هذه المعركة الدائمة بينه وبين الشيطان طوال حياته على هذه الأرض ؛ ورصد له من الغنيمة إذا هو انتصر ما لا يخطر على قلب بشر ، ورصد له من الخسران إذا هو اندحر ما لا يخطر كذلك على قلب بشر . وبذلك حول طاقة القتال فيه إلى هذه المعركة الدائبة ؛ التي تجعل من الإنسان إنساناً ، وتجعل له طابعه الخاص بين أنواع الخلائق المتنوعة الطبائع والطباع ! والتي تجعل أكبر هدف للإنسان على الأرض أن ينتصر على عدوه الشيطان ؛ فينتصر على الشر والخبث والرجس ؛ ويثبت في الأرض قوائم الخير والنصح والطهر .
وقوله : وَلايَصُدّنّكُمُ الشّيْطانُ يقول جل ثناؤه : ولا يعدلنكم الشيطان عن طاعتي فيما آمركم وأنهاكم ، فتخالفوه إلى غيره ، وتجوروا عن الصراط المستقيم فتضلوا إنّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِينٌ يقول : إن الشيطان لكم عدوّ يدعوكم إلى ما فيه هلاككم ، ويصدّكم عن قصد السبيل ، ليوردكم المهالك ، مبين قد أبان لكم عداوته ، بامتناعه من السجود لأبيكم آدم ، وإدلائه بالغرور حتى أخرجه من الجنة حسدا وبغيا .
لما أُبلغت أسماعُهم أفانينَ المواعظ والأوامر والنواهي ، وجرى في خلال ذلك تحذيرهم من الإصرار على الإعراض عن القرآن ، وإعلامُهم بأن ذلك يفضي بهم إلى مقارنة الشيطان ، وأخذَ ذلك حظه من البيان انتقل الكلام إلى نهيهم عن أن يحصل صدّ الشيطان إياهم عن هذا الدّين والقرآن الذي دُعوا إلى اتّباعه بقوله : { واتبعون هذا صراط مستقيم } [ الزخرف : 61 ] تنبيهاً على أن الصدود عن هذا الدّين من وسوسة الشيطان ، وتذكيراً بعداوة الشيطان للإنسان عداوة قوية لا يفارقها الدفع بالناس إلى مساوىء الأعمال ليوقعهم في العذاب تشفّياً لعداوته .
وقد صيغ النهي عن اتباع الشيطان في صدّه إياهم بصيغة نهي الشيطان عن أن يصدهم ، للإشارة إلى أن في مكنتهم الاحتفاظ من الارتباق في شباك الشيطان ، فكني بنهي الشيطان عن صدّهم عن نَهْيهِمْ عن الطاعة له بأبلغَ من توجيه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ، على طريقة قول العرب : لا أعْرِفنَّك تفعل كذا ، ولا أُلْفِينَّكَ في موضع كذا .
وجملة { إنه لكم عدو مبين } تعليل للنهي عن أن يصدهم الشيطان فإن شأن العاقل أن يحذر من مكائد عدوه . وعداوة الشيطان للبشر ناشئة من خبث كينونته مع ما انضمّ إلى ذلك الخبث من تنافي العنصرين فإذا التقى التنافي مع خبث الطبع نشأ من مجموعهما القصد بالأذى ، وقد أذكى تلك العداوةَ حدث قارن نشأة نوع الإنسان عند تكوينه ، في قصته مع آدم كما قصه القرآن غير مرة . وحرف ( إنَّ ) هنا موقعه موقع فاء التسبب في إفادة التعليل .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ولا يصدنكم الشيطان} عن الهدى.
{إنه لكم عدو مبين}، يعني بيّن.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَلا يَصُدّنّكُمُ الشّيْطانُ" يقول جل ثناؤه: ولا يعدلنكم الشيطان عن طاعتي فيما آمركم وأنهاكم، فتخالفوه إلى غيره، وتجوروا عن الصراط المستقيم فتضلوا. "إنّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِينٌ "يقول: إن الشيطان لكم عدوّ يدعوكم إلى ما فيه هلاككم، ويصدّكم عن قصد السبيل، ليوردكم المهالك، "مبين" قد أبان لكم عداوته، بامتناعه من السجود لأبيكم آدم، وإدلائه بالغرور حتى أخرجه من الجنة حسدا وبغيا.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
" إنه لكم عدو مبين "فالعداوة: طلب المكر والمكيدة والإيقاع في كل مهلكة من أجل العداوة التي في هلاك صاحبها شفاء لما في صدره منها...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما حثهم على السلوك لصراط الولي الحميد بدلالة الشفوق النصوح الرؤوف الرحيم، حذرهم من العدو البعيد المحترق الطريد، فقال دالاً على عظيم فتنته بما له من التزيين للمشتهى والأخذ من المأمن والتلبيس للمشكل والتغطية للخوف بالتأكيد، لما هم تابعون من ضده على وجه التقليد: {ولا يصدنكم} أي عن هذا الطريق الواضح الواسع المستقيم الموصل إلى المقصود بأيسر سعي {الشيطان}.
ولما كان كأنه قيل ما له يصدنا عن سبيل ربنا؟ ذكر العلة تحذيراً في قوله: {إنه لكم} أي عامة؛ وأكد الخبر لأن أفعال التابعين لكم أفعال من ينكر عداوته: {عدو مبين} أي واضح العداوة في نفسه مناد بها، وذلك بإبلاغه في عداوة أبيكم حتى أنزلكم بإنزاله عن محل الراحة إلى موضع النصب، عداوة ناشئة عن الحسد، فهي لا تنفك أبداً.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
القرآن لا يفتأ يذكر البشر بالمعركة الخالدة بينهم وبين الشيطان منذ أبيهم آدم، ومنذ المعركة الأولى في الجنة. وأغفل الغافلين من يعلم أن له عدواً يقف له بالمرصاد، عن عمد وقصد، وسابق إنذار وإصرار ثم لا يأخذ حذره ثم يزيد فيصبح تابعاً لهذا العدو الصريح! وقد أقام الإسلام الإنسان في هذه المعركة الدائمة بينه وبين الشيطان طوال حياته على هذه الأرض؛ ورصد له من الغنيمة إذا هو انتصر ما لا يخطر على قلب بشر، ورصد له من الخسران إذا هو اندحر ما لا يخطر كذلك على قلب بشر. وبذلك حول طاقة القتال فيه إلى هذه المعركة الدائبة؛ التي تجعل من الإنسان إنساناً، وتجعل له طابعه الخاص بين أنواع الخلائق المتنوعة الطبائع والطباع! والتي تجعل أكبر هدف للإنسان على الأرض أن ينتصر على عدوه الشيطان فينتصر على الشر والخبث والرجس؛ ويثبت في الأرض قوائم الخير والنصح والطهر.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
لما أُبلغت أسماعُهم أفانينَ المواعظ والأوامر والنواهي، وجرى في خلال ذلك تحذيرهم من الإصرار على الإعراض عن القرآن، وإعلامُهم بأن ذلك يفضي بهم إلى مقارنة الشيطان، وأخذَ ذلك حظه من البيان انتقل الكلام إلى نهيهم عن أن يحصل صدّ الشيطان إياهم عن هذا الدّين والقرآن الذي دُعوا إلى اتّباعه بقوله: {واتبعون هذا صراط مستقيم} [الزخرف: 61] تنبيهاً على أن الصدود عن هذا الدّين من وسوسة الشيطان، وتذكيراً بعداوة الشيطان للإنسان عداوة قوية لا يفارقها الدفع بالناس إلى مساوىء الأعمال ليوقعهم في العذاب تشفّياً لعداوته.
وقد صيغ النهي عن اتباع الشيطان في صدّه إياهم بصيغة نهي الشيطان عن أن يصدهم، للإشارة إلى أن في مكنتهم الاحتفاظ من الارتباق في شباك الشيطان، فكني بنهي الشيطان عن صدّهم عن نَهْيهِمْ عن الطاعة له بأبلغَ من توجيه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، على طريقة قول العرب: لا أعْرِفنَّك تفعل كذا، ولا أُلْفِينَّكَ في موضع كذا.
{إنه لكم عدو مبين}... وعداوة الشيطان للبشر ناشئة من خبث كينونته مع ما انضمّ إلى ذلك الخبث من تنافي العنصرين فإذا التقى التنافي مع خبث الطبع نشأ من مجموعهما القصد بالأذى، وقد أذكى تلك العداوةَ حدث قارن نشأة نوع الإنسان عند تكوينه، في قصته مع آدم كما قصه القرآن غير مرة.