التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (62)

{ وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الأرض يَخْلُفُونَ ( 60 ) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ( 61 ) وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ( 62 ) } [ 60 – 62 ] .

ضمائر الجمع المخاطب في الآيات عائدة إلى السامعين إطلاقا مؤمنيهم ومشركيهم على ما هو المتبادر ، لقد تعددت أقوال المفسرين في تأويلات الآيتين الأولى والثانية{[1850]} . فمنهم من قال في صدد الآية الأولى إنها تعني تقرير قدرة الله على جعل نسل المخاطبين ملائكة يخلفونهم في الأرض بعدهم . ومنهم من قال إنها تعني قدرة الله على إهلاكهم وجعل الملائكة يخلفونهم في الأرض بدلا منهم . وقد يكون القول الأول أوجه للتدليل به على قدرة الله التي تستطيع جعل نسل البشر ملائكة تستطيع خلق عيسى على النحو الذي خلقه دون أن يكون ذلك موجبا لتأليهه كما فعل النصارى ، ومنهم من قال في صدد الآية الثانية إن ضمير ( إنه ) عائد إلى نزول عيسى وكون ذلك من أشراط الساعة .

ومنهم من قال في صدد الآية الثانية : إن ضمير ( إنه ) عائد إلى القرآن وإن الآية تعني تقرير أن القرآن يعلم السامعين بقيام الساعة أو يذكرهم بها أو إن علمها فيه أي أنه يقرر حقيقتها وحقيقة وقوعها فليس من محل للمماراة فيها ، وقد يكون هذا القول أوجه .

وعلى كل حال فإن الآيات متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب وتدعيم ، وبسبيل تقرير قدرة الله تعالى على ما هو معجز ومستحيل في نظر الناس مثل خلقه عيسى بدون أب وقيام الساعة التي يجوز المماراة فيها ؛ لأن كتاب الله يخبر بها . وعلى الناس أن يتبعوا دعوة الله فهي الصراط المستقيم الذي فيه نجاتهم وأن يحذروا الشيطان الذي يصدهم عنه ولا يسمعوا لوساوسه فإنه شديد العداوة لهم ولا يفعل إلا ما فيه ضررهم .

تعليق على خبر نزول

عيسى عليه السلام

في آخر الزمان

وعلى احتمال أن تكون جملة { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ } تعني نزول عيسى عليه السلام قبيل نهاية الدنيا كشرط من أشراط الساعة نقول : إن هذا النزول قد ذكر في أحاديث نبوية عديدة ، منها حديث عن أبي هريرة رواه الشيخان والترمذي جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم عليه السلام حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها ) ثم قال أبو هريرة : ( واقرأوا إن شئتم : { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ( 159 ) } ){[1851]} ، ومنها حديث عن أبي هريرة أيضا رواه الشيخان وأحمد جاء فيه : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ){[1852]} . ومنها حديث عن عبد الله بن عمرو رواه مسلم جاء فيه : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( يخرج الدجال من أمتي فيمكث أربعين ، لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه ثم يمكث في الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ){[1853]} . ومنها حديث رواه أبو داود والحاكم والإمام أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( ليس بيني وبين عيسى عليه السلام نبي وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه . رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين ممصرتين ، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل ، فيقاتل الناس على الإسلام فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ويهلك المسيح الدجال ، ثم تقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسد مع الإبل والنمار مع البقر والذئاب مع الغنم وتلعب الصبيان بالحيات فيمكث عيسى أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون ) .

ومن المحتمل جدا أن يكون أمر نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان وقتله المسيح الدجال مما كان متداولا في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أوساط الكتابيين على ما ذكرناه في سياق تفسير سورة غافر .

وعلى كل حال فنقول هنا ما قلناه هناك من أن واجب المسلم أن يؤمن ويصدق بما يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أخبار غيبية ويؤمن بأنها في نطاق قدرة الله تعالى وإن لم تدركها عقول الناس العادية ، وأن يفوض الأمر فيها إلى الله وأن يقف عندها دون تزيد وأن يؤمن كذلك بأن فيما يخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكمة استهدفت عظة أو عبرة أو تنبيها أو إنذارا مما يتصل برسالته ومهمته ، وهذه النقطة بخاصة مهمة جدا في الموضوع .


[1850]:جمع الطبري ومختلف الأقوال والروايات، انظر فيه تفسير الآيات. وانظر في كتب تفسير الطبرسي والزمخشري والخازن وابن كثير أيضا.
[1851]:انظر التاج جـ 5 ص 325 – 326.
[1852]:انظر التاج جـ 5 ص 325 –. 326
[1853]:انظر التاج جـ 5 ص 325 – 326.