وقوله : { عينا } منصوب على المدح .
أى : ومزاج هذا الرحيق وخليطه كائن من ماء لعين فى الجنة ، مرتفعة المكان والمكانة ، هذه العين يشرب منها المقربون إلى الله - تعالى- شرابهم .
قال الآلوسى : والباء فى قوله { بها } إما زائدة . أى يشربها . أو بمعنى من . أى : يشرب منها ، أو على تضمين يشرب معنى يروى . أى : يشرب راوين بها . أى يروى بها المقربون . .
وإلى هنا نجدد أن هذه الآيات الكريمة قد بشرت الأبرار ببشارات متعددة ، بشرتهم بأن صحائف أعمالهم فى أعلى عليين ، وبأنهم فى تعيم مقيم ، وبأنهم ينظرون إلى كل ما يشرح صدورهم ، وبأن الناظر إليهم يرى آثار النعمة والرفاهية على وجوههم ، وبأن شرابهم من خمر طيبة لذيذة الطعم والرائحة .
قول تعالى ذكره : ومِزاج هذا الرحيق من تسنيم والتسنيم : التفعيل من قول القائل : سنمتهم العين تسنيما : إذا أجريتها عليهم من فوقهم ، فكان معناه في هذا الموضع : ومِزاجه من ماء ينزل عليهم من فوقهم فينحدر عليهم . وقد كان مجاهد والكلبيّ يقولان في ذلك كذلك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : تَسْنِيمٍ قال : تسنيم : يعلو .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الكلبيّ ، في قوله : تَسْنِيمٍ قال : تسنيم ينصبّ عليهم من فوقهم ، وهو شراب المقرّبين .
وأما سائر أهل التأويل ، فقالوا : هو عين يمزج بها الرحيق لأصحاب اليمين ، وأما المقرّبون ، فيشربونها صِرْفا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مُرّة ، عن مسروق ، عن عبد الله في قوله : مِنْ تَسْنِيمٍ قال : عين في الجنة يشربها المقرّبون ، وتُمزج لأصحاب اليمين .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مُرّة ، عن مسروق ، عن عبد الله وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ قال : يشربه المقرّبون صِرفا ، ويمزج لأصحاب اليمين .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مالك بن الحرث ، عن مسروق ، وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ قال : عين في الجنة يشربها المقرّبون صِرفا ، وتُمزج لأصحاب اليمين .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرّة ، عن مسروق عَيْنا يَشْرَبُ بِها المُقَرّبُونَ قال : يشرب بها المقرّبون صِرفا ، وتمزج لأصحاب اليمين .
حدثني طلحة بن يحيى اليربوعيّ ، قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن مالك بن الحرث ، في قوله : وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ قال : في الجنة عين يشرب منها المقرّبون صِرفا ، وتمزج لسائر أهل الجنة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا أبو حمزة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قوله : وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنا يَشْرَبُ بِها المُقَرّبُونَ صِرفا ، ويمزج فيها لمن دونهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مالك بن الحارث ، في قوله : وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ قال : التسنيم : عين في الجنة يشربها المقرّبون صرفا ، وتمزج لسائر أهل الجنة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا أبو حمزة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قوله وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ قال : عين يشرب بها المقرّبون ، ويمزج فيها لمن دونهم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنا يَشْرَبُ بِها المُقَرّبُونَ عينا من ماء الجنة ، تُمزج به الخمر .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ قال : خفايا أخفاها الله لأهل الجنة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا عمران بن عيينة ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ، في قوله : وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ قال : هو أشرف شراب في الجنة ، هو للمقرّبين صِرف ، وهو لأهل الجنة مِزاج .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ شراب شريف ، عين في الجنة يشربها المقرّبون صرفا ، وتُمزج لسائر أهل الجنة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنا يَشْرَبُ بِها المُقَرّبُونَ قال : بلغنا أنها عين تخرج من تحت العرش ، وهي مِزاج هذه الخمر : يعني مِزاج الرحيق .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : مِنْ تَسْنِيمٍ شراب اسمه تسنيم ، وهو من أشرف الشراب .
فتأويل الكلام : ومزاج الرحيق من عين تُسَنّم عليهم من فوقهم ، فتنصبّ عليهم يَشْرَبُ بِها المُقَرّبُونَ من الله صرفا ، وتمزج لأهل الجنة .
واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله : عَيْنا فقال بعض نحويّي البصرة : إن شئت جعلت نصبه على يُسْقون عينا ، وإن شئت جعلته مدحا ، فيُقطع من أوّل الكلام ، فكأنك تقول : أعني عينا .
وقال بعض نحويّي الكوفة : نصب العين على وجهين : أحدهما : أن يُنْوَى من تسنِيم عَيْن ، فإذا نوّنت نصبت ، كما قال : أوْ إطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيما ، وكما قال : ألَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا أحْياءً . والوجه الاَخر : أن ينوى من ماء سُنّم عينا ، كقولك : رفع عينا يشرب بها . قال : وإن لم يكن التسنيم اسما للماء ، فالعين نكرة ، والتسنيم معرفة ، وإن كان اسما للماء ، فالعين نكرة فخرجت نصبا . وقال آخر من البصريين : مِنْ تَسْنِيمٍ معرفة ، ثم قال عَيْنا فجاءت نكرة ، فنصبتها صفة لها . وقال آخر نُصبت بمعنى : من ماء يَتَسَنّم عينا .
والصواب من القول في ذلك عندنا : أن التسنيم اسم معرفة ، والعين نكرة ، فنصبت لذلك إذ كانت صفة له . وإنما قلنا : ذلك هو الصواب لما قد قدّمنا من الرواية عن أهل التأويل ، أن التسنيم هو العين ، فكان معلوما بذلك أن العين إذ كانت منصوبة وهي نكرة ، أن التسنيم معرفة .
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
هم الذين يسارعون في الخيرات في الدنيا، فتركوا منى الأنفس، واتقوا المهالك والزلات. فهم المقربون. وأضاف التقريب إلى الغير لأنهم ما وفقوا لاكتساب الخيرات، وعصموا عن ارتكاب المهالك والزلات لا بأنفسهم في الدنيا للأمور التي ذكرنا...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{عيناً يشرب بها} أي بسببها على طريقة المزج منها {المقربون} أي الذين وقع تقريبهم من اجتذاب الحق لهم إليه وقصر هممهم عليه، كل شراب يريدونه، وأما الأبرار فلا يشربون بها إلا الرحيق، وأما غيرهم فلا يصل إليها أصلاً،...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وباء {يشرب بها} إما سببية، وعُدي فعل {يشرب} إلى ضمير العين بتضمين {يشرب} معنى: يمزج، لقوله: {ومزاجه من تسنيم} أي يمزجون الرحيق بالتسنيم. وإمَّا باء الملابسة وفعل {يشرب} معدّى إلى مفعول محذوف وهو الرحيق، أي يشربون الرحيق ملابسين للعين، أي محيطين بها وجالسين حولها. أو الباء بمعنى (مِن) التبعيضية...