تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ} (15)

1

المفردات :

في صحف : منتسخة من اللوح المحفوظ .

مكرمة : شريفة عند الله .

مرفوعة : رفيعة القدر والمنزلة عنده تعالى .

مطهرة : منزهة عن أيدي الشياطين ، وعن النقص .

بأيدي سفرة : كتبه من الملائكة ينسخونها من اللوح المحفوظ .

كرام : أعزّاء على الله تعالى .

بررة : أتقياء مطيعين لله تعالى ، وهم الملائكة .

التفسير :

13 ، 14 ، 15 ، 16- في صحف مكرّمة* مرفوعة مطهّرة* بأيدي سفرة* كرام بررة .

إن آيات القرآن مثبتة في صحف منتسخة من اللوح المحفوظ ، مكرّمة عند الله جل وعلا ، لما فيها من العلم والحكمة ، ولنزولها من اللوح المحفوظ .

مرفوعة مطهّرة . رفيعة القدر عند الله لاشتمالها على أصول العقائد والآداب والأخلاق ، مطهّرة . منزهة عن النقص والضلالة ، ومحفوظة من عبث الشياطين والكفار لا ينالونها .

بأيدي سفرة . محمولة بأيدي سفرة ، أي : وسائط من الملائكة يسفرون بين الله ورسله ، لتبليغ الوحي الإلهي للرسل الكرام .

قال تعالى : الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس . . . ( الحج : 75 ) .

وقال تعالى : نزل به الروح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين . ( الشعراء : 193 ، 194 ) .

كرام بررة .

مكرمين عند ربهم ، مطيعين له ، كرام على الله ، فيهم بر بالمؤمنين وعطف عليهم ، حيث إنهم يدعون الله أن يغفر للتائبين ، وأن يحفظهم من السيئات ، وأن يشملهم برحمته .

قال تعالى : بل عباد مكرمون . ( الأنبياء : 26 ) .

وقال سبحانه : لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . ( التحريم : 6 ) .

وقال عز شأنه : الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم* ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم* وقهم السيئات ومن اتق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم . ( غافر : 7-9 ) .

وتطلق السفرة على الملائكة لأنها تسفر بين الله وبين الرسل ، وكذلك تطلق على الرسل لأنها تحمل رسالة الله إلى الناس ، كلاهما يطلق عليه سفرة .

وقال ابن جرير الطبري :

والصحيح أن السفرة : الملائكة ، وهم السفرة بين الله تعالى وبين خلقه ، ومنه يقال : السفير ، أي : الذي يسعى بين الناس في الصلح والخير .

أخرج الجماعة ( أحمد وأصحاب الكتب الستة ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرؤه وهو عليه شاق ، له أجران )iii .

في ظلال القرآن

علّق صاحب الظلال بضع صفحات على صدر سورة عبس ، ذكر فيها أن الحق جل جلاله جعل هداية السماء عالية سامقة ، لا ينالها إلا من رغب فيها ، وقد استجابت نفس الرسول صلى الله عليه وسلم وانفعلت بهذا التوجيه ، واندفعت إلى قرار هذه الحقيقة في حياته كلها ، وفي حياة الجماعة المسلمة ، لقد كان الإسلام ميلادا جديدا للبشرية ، كميلاد الإنسان الأول .

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا الحادث يهش لابن أم مكتوم ويرعاه ، ويقول له كلما لقيه : ( أهلا بمن عاتبني فيه ربي ) ، وقد استخلفه مرتين بعد الهجرة على المدينة .

وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ، وجعل عمه حمزة ، ومولاه زيد بن حارثة أخوين ، وقد جعل زيدا أميرا في غزوة مؤتة ، وكان آخر أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمر أسامة بن زيد على جيش لغزو الروم ، يضم كثرة من المهاجرين والأنصار ، فيهم أبو بكر وعمر وزيراه وصاحباه ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( سلمان منّا أهل البيت )iv .

وأخرج الشيخان ، والترمذي ، عن أبي موسى قوله : قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا حينا ، وما نرى عبد الله بن مسعود وأمّه إلا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من كثرة دخولهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولزومهما لهv .

واستمر الخلفاء على هذا الهدى ، فمشى أبو بكر الصديق- وهو خليفة- يودّع بنفسه أسامة بن زيد ، ويقول : وما علي أن اغبر قدمي في سبيل الله ساعة . ثم يقول لأسامة : إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل .

ثم تمضي عجلة الزمن ، فنرى عمر بن الخطاب يولّى عمار بن ياسر على الكوفة .

ويقول عمر : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا . يعني بلالا ، الذي كان مملوكا لأمية بن خلف ، واشتراه أبو بكر وأعتقه .

وقد كان عبد الله يذكر ويذكر معه مولاه عكرمة ، وكان عبد الله بن عمر يذكر ويذكر معه مولاه نافع .

وتمتّع كثير من الموالي بتولي الفتيا مثل : الحسن البصري بالبصرة ، ومجاهد بن جبر ، وعطاء بن رباح وغيرهم .

وظل ميزان السماء يرجح بأهل التقوى ولو تجردوا من قيم الأرض كلها ، في اعتبار أنفسهم ، وفي اعتبار الناس من حولهم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ} (15)

{ بأيدي سفرة } قال ابن عباس ومجاهد : كتبة ، وهم الملائكة الكرام الكاتبون ، واحدهم سافر ، يقال : سفرت أي كتبت . ومنه قيل للكاتب : سفر ، وجمعه : أسفار . وقال الآخرون : هم الرسل من الملائكة واحدهم سفير ، وهو الرسول ، وسفير القوم الذي يسعى بينهم للصلح ، وسفرت بين القوم إذا أصلحت بينهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ} (15)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"بِأيْدِي سَفَرةٍ "يقول: الصحف المكرّمة بأيدي سَفَرة، جمع سافر. واختلف أهل التأويل فيهم ما هم؟

فقال بعضهم: هم كَتَبة...

وقال آخرون: هم القُرّاء...

وقال آخرون: هم الملائكة...

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: هم الملائكة الذين يَسْفِرون بين الله ورسله بالوحي. وإذا وُجّه التأويل إلى ما قلنا، احتمل الوجه الذي قاله القائلون هم الكَتَبة، والذي قاله القائلون هم القُرّاء، لأن الملائكة هي التي تقرأ الكتب، وتَسْفِر بين الله وبين رسله.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

واعلم أن أصل السفارة من الكشف، والكاتب إنما يسمى سافرا لأنه يكشف، والسفير إنما سمي سفيرا أيضا لأنه يكشف، وهؤلاء الملائكة لما كانوا وسائط بين الله وبين البشر في البيان والهداية والعلم، لا جرم سموا سفرة...

الشعراوي- 1419هـ:

و«السفرة الكرام البررة».. إما أن تكون من السفارة العلوية التي هي بين الملائكة وبين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبيننا، أو أن الذين سينقلونه إلينا هنا سينقلونه إلينا بكل أمانة؛ ولذلك تنظر فتجد دقة في التلاوة، ودقة في الأحكام، ودقة في التوثيق.

ولذلك سيظل المنهج محفوظاً بإذن الله كما وعد الحق سبحانه وتعالى بقوله: {إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون (9)} [الحجر]. وبذلك يصبح لا حجة لإنسان في أن لا يؤمن به.

تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين 1421 هـ :

وسموا سفرة لأنهم كتبة...

المهم أن السفرة هم الملائكة وسموا سفرة لأنهم كتبة يكتبون، وسموا سفرة لأنهم سفراء بين الله وبين الخلق، فجبريل عليه الصلاة والسلام واسطة بين الله وبين الخلق في النزول بالوحي، والكتبة الذين يكتبون ما يعمل الإنسان أيضاً يكتبونه ويبلغونه إلى الله عز وجل، والله تعالى عالم به حين كتابته وقبل كتابته...

   
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ} (15)

" بأيدي سفرة " أي الملائكة الذين جعلهم الله سفراء بينه وبين رسله ، فهم بررة لم يتدنسوا بمعصية . وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : هي مطهرة تجعل التطهير لمن حملها " بأيدي سفرة " قال : كتبة . وقاله مجاهد أيضا . وهم الملائكة الكرام الكاتبون لأعمال العباد في الأسفار ، التي هي الكتب ، وأحدهم : سافر ، كقولك : كاتب وكتبة . ويقال : سفرت أي كتبت ، والكتاب : هو السفر ، وجمعه أسفار .

قال الزجاج : وإنما قيل للكتاب سفر ، بكسر السين ، وللكاتب سافر ، لأن معناه أنه يبين الشيء ويوضحه . يقال : أسفر الصبح : إذا أضاء ، وسفرت المرأة : إذا كشفت النقاب عن وجهها . قال : ومنه سفرت بين القوم أسفر سفارة : أصلحت بينهم . وقال الفراء ، وأنشد :

فما أدَعُ السِّفَارَةَ بينَ قَوْمِي *** ولا أمشي بغِشٍّ إن مَشَيْتُ

والسفير : الرسول والمصلح بين القوم والجمع : سفراء ، مثل فقيه وفقهاء . ويقال للوراقين سفراء ، بلغة العبرانية . وقال قتادة : السفرة هنا : هم القراء ؛ لأنهم يقرؤون الأسفار . وعنه أيضا كقول ابن عباس . وقال وهب بن منبه : " بأيدي سفرة . كرام بررة " هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . قال ابن العربي : لقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة ، كراما بررة ، ولكن ليسوا بمرادين بهذه الآية ، ولا قاربوا المرادين بها ، بل هي لفظة مخصوصة بالملائكة عند الإطلاق ، ولا يشاركهم فيها سواهم ، ولا يدخل معهم في متناولها غيرهم . وروي في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ مثل ]{[15803]} الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له ، مع السفرة الكرام البررة ، ومثل الذي يقرؤه وهو يتعاهده ، وهو عليه شديد ، فله أجران ] متفق عليه ، واللفظ للبخاري .


[15803]:الزيادة من صحيح البخاري.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ} (15)

وعلق أيضاً-{[71657]} بمثبت {[71658]}بالفتح أو الكسر{[71659]} على اختلاف المعنيين - قوله مبيناً شرف ذلك الظرف لذلك الظرف إشارة إلى نهاية الشرف للمظروف : { بأيدي سفرة * } أي كتبة يظهرون الكتابة بما فيها من الأخبار الغريبة والأحكام العلية في كل{[71660]} حال ، فإن كان{[71661]} ما تعلق به الجار بالفتح فهو حقيقة في أنهم ملائكة يكتبونه من{[71662]} اللوح المحفوظ ، أو يكون جمع سافر إما بمعنى الكاتب أو المسافر أي-{[71663]} القطع للمسافة أو السفير الذي هو-{[71664]} المصلح لأنهم سفراء بين الله وأنبيائه ، وبهم يصلح أمر الدين والدنيا ، وإن كان بالكسر فهو مجاز لأن من أقبل على كتابة الذكر يكون مهذباً في الحال {[71665]}أو في{[71666]} المآل في الغالب ، وتركيب سفر للكشف{[71667]}


[71657]:زيد من م.
[71658]:من ظ و م، وفي الأصل: الفتح وبالكسر.
[71659]:من ظ و م، وفي الأصل: بالفتح وبالكسر.
[71660]:زيد من ظ و م.
[71661]:من م وفي الأصل و ظ: كل.
[71662]:من ظ و م، وفي الأصل: في.
[71663]:زيد من ظ و م.
[71664]:زيد من ظ و م.
[71665]:من ظ و م، وفي الأصل: "و".
[71666]:من ظ و م، وفي الأصل: "و".
[71667]:زيد في الأصل: هو، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.