تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (105)

95

المفردات :

صدّقت الرؤيا : وفّيتها حقّها بالعزم على تنفيذ ما أمر الله .

البلاء المبين : الاختيار البيّن الذي يتميز فيه المخلص من غيره .

التفسير :

104- 105- 106 –{ وناديناه أن يا إبراهيم* قد صدقت الرؤيا إن كذلك نجزي المحسنين* إن هذا لهو البلاء المبين } .

أي عندما امتثلا لأمر الله ، واستعدّا تمام الاستعداد : أرسل الله الملك خلف إبراهيم ، فناداه يا إبراهيم : قد صدّقت الرؤيا ، أي : قد استعددت استعدادا تامّا لتنفيذ الرؤيا وتصديقها ، ورأينا منك الصدق والاستجابة ، ومن إسماعيل صدق الوعد ، فكان الفضل العظيم ، والفرج الكبير ، والاستبشار والاغتباط . والحمد لله والشكر له على ما أنعم عليهما من دفع البلاء العظيم بد حلوله ، والثواب الجزيل ، ورضوان الله الذي ليس وراءه مطلوب .

{ إنا كذلك نجزي المحسنين } .

أي فعلنا ذلك – بقبول عمل إبراهيم ، والفداء بذبح عظيم – لأن من سنتنا إكرام المحسنين ، ورفع درجاتهم ، وتفريج كرباتهم ، وكشف الهم والغم عنهم .

{ إن هذا لهو البلاء المبين } .

هذا هو الامتحان الشديد والاختبار القوي ، والمحنة الصعبة ، البالغة أقصى غايات القسوة والمرارة ، والتي لا يحتملها إلا أصحاب العزائم العالية ، والقلوب السليمة ، والنفوس المخلصة لله رب العالمين ، فمن المعتاد أن يذهب الناس للجهاد ، وأن يتطوعوا بالشهادة في طلب النصر ، وأن يضحي فرد من أجل حياة أمة ومستقبلها ، أما أن يكلّف أب بأن يذبح ولده الوحيد البكر الذي جاءه على الكبر ، وأن يعرض الرأي على الغلام ، فتكون منه الاستجابة والمعونة ، ومعاونة الأب في هذا التكليف ، فهذا فعلا هو البلاء المبين ، والاختبار الشديد ، والامتحان الصعب الذي لا ينجح فيه إلا أمثال الخليل إبراهيم ، وأمثال إسماعيل الصادق الوعد ، الرسول النبي .

قال تعالى : { واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا * وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا } [ مريم : 54 ، 55 ] .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (105)

{ قد صدقت الرؤيا } يحتمل أنه يريد بقلبك أي : كانت عندك رؤيا صادقة فعملت بحسبها ويحتمل أن يريد صدقتها بعملك أي : وفيت حقها من العمل .

فإن قيل : إنه أمر بالذبح ولم يذبح ، فكيف قيل : له صدقت الرؤيا ؟ فالجواب : أنه قد بذل جهده إذ قد عزم على الذبح ولو لم يفده الله لذبحه ولكن الله هو الذي منعه من ذبحه لما فداه فامتناع ذبح الولد إنما كان من الله وبأمر الله وقد قضى إبراهيم ما عليه .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (105)

ولما كان محل التوقع الثناء عليه قال : { قد صدقت } أي تصديقاً عظيماً { الرؤيا } في أنك تذبحه ، فإنك قد عالجت ذلك ، وبدلت الوسع فيه ، وفعلت ما رأيته في المنام ، فما انذبح لأنك لم تر أنك ذبحته ، فاكفف عن معالجة الذبح بأزيد من هذا . ولما كان التقدير : فجزيناك على ذلك لإحسانك فوق ما تحب ، وجعلناك إماماً للمتقين ، ووهبناك لسان صدق في الآخرين ، وجعلنا آلك هم المصطفين ، وملأنا منهم الخافقين ، علله بأن ذلك سنته دائماً قديماً وحديثاً فقال ما يأتي .

ولما كان صلى الله عليه وسلم في همة الذبح وعزمه ، فكانت تلك الهمة التي تقصر عنها رتبها السها والسماك ، والعزمة التي تتضاءل دون عليّ مكانتها وسني عظمتها عوالي الأفلاك ، لا تسكن عن ثورانها ، ولا تبرد عن غليانها وفورانها ، إلا بأمر شديد ، وقول جازم أكيد ، قال مؤكداً تنبيهاً على أن همته قد وصلت إلى هذا حده ، وأن امتثال الأمر أيسر من الكف بعد المباشرة بالنهي : { إنا كذلك } أي مثل هذا الجزاء العظيم { نجزي المحسنين * } .