تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَخۡلُقكُّم مِّن مَّآءٖ مَّهِينٖ} (20)

16

المفردات :

ثم نتبعهم الآخرين : نحن نتبعهم نظراءهم ، ككفار مكة .

ماء مهين : مني ضعيف ذليل ، وهو النطفة .

قرار مكين : مكان حصين حريز ، وهو الرحم .

إلى قدر معلوم : إلى وقت الولادة .

فقدرنا : قدّرنا ذلك وأحكمناه .

التفسير :

20 ، 21 ، 22 ، 23 ، 24- ألم نخلقكم من ماء مهين* فجعلناه في قرار مكين* إلى قدر معلوم* فقدرنا فنعم القادرون* ويل يومئذ للمكذبين .

يخاطب القرآن الخلق ، ويلوّن في أسلوب الخطاب ، ويدعو الإنسان إلى التفكّر في أصله فيقول : ألم نخلقكم أيها الخلق من ماء ضعيف ، نطفة مزرة ؟

وكلمة : مهين . بزنة فعيل ، ومادته : مهن ، أي ضعف ، والميم فيها أصلية .

وأكثر المفسرين ذهب إلى أن معنى : مهين . وضيع حقير ، أما الطبري شيخ المفسرين فقال : المهين هو الضعيف . اه .

وإذا تأملنا أن الله تعالى كرّم بني آدم ، رجحنا أن يكون معنى مهين : ضعيف ، أبعد ما يكون عن الحياة والقوّة والحركة ، لولا أن تلقفته يد القدرة الإلهية .

وأتمنى أن نبتعد عن تسمية المنيّ بأنه مهين بمعنى حقير أو ذليل ، بل معناه اللغويّ من مادة مهن لا هان ، ومهن معناه ضعف ، ومهين معناه ضعيف ، وليس المعنى أنه حقير ، وليس معناها هان بمعنى ذلّ والمنيّ مهين بمعنى ضعيف ، أي لولا وضعه في الرحم في قرار مكين ، لما كان له وجود ولا حياة ولا شموخ وتعال ، فلماذا تتكبّر أيها الإنسان على خالقك ، ولولا يد القدرة ما كنت شيئا مذكورا ؟

قال تعالى : هل أتى على الإنسان حين من الدّهر لم يكن شيئا مذكورا . ( الإنسان : 1 ) .

عود إلى التفسير

ألم تخلقكم يد القدرة الإلهية من ماء مهين ، هو المنيّ الذي يخرج من صلب الرجل فيصب في رحم المرأة ؟

فجعلناه في قرار مكين .

فجعلنا هذا الماء المهين في مكان حريز حصين ، وهو رحم المرأة ، المؤهل للمحافظة على هذه النطفة ، حيث تمسك بجدار الرحم ، وتعلق به وتتشبت به ، فلا تفلت منه ، ثم تتحول إلى مراحل متعددة .

إلى قرار معلوم . زمن مقدّر ، وهو وقت الولادة .

فقدرنا فنعم القادرون .

فقدرنا على خلقه بشرا سويّا في أحسن تقويم ، معه العقل والإرادة والسمع والصبر ، ومزود بالأجهزة البديعة ، مثل : الجهاز الهضمي ، والجهاز العصبي ، والجهاز التناسلي ، والجهاز اللمفاوي .

فنعم القادرون .

أنعم وأكرم بقدرة الله وحده ، الذي خلق الإنسان من منيّ يمنى ، ثم أنشأه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين .

ويل يومئذ للمكذبين .

أي : في يوم القيامة الويل والعذاب الأليم للمكذبين بقدرة الله ، فهو الذي خلق الإنسان من مني يمنى ، ومن بدأ الخلق قادر على إعادته ، بل الإعادة أهون من البدء ، فمن كذّب بالبعث والجزاء فله الويل والعذاب يومئذ ، أي يوم القيامة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَخۡلُقكُّم مِّن مَّآءٖ مَّهِينٖ} (20)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

بيّن لهم بدء خلق أنفسهم لئلا يكذبوا بالبعث، وليعتبروا فقال: يا معشر المكذبين {ألم نخلقكم من ماء مهين} يقول: ماء ضعيف وهو النطفة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"أَلمْ نَخْلُقْكُمْ" أيها الناس "مِنْ ماءٍ مّهِينٍ" يعني من نطفة ضعيفة.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

تقديم وتأخير، فجائز أن يكون ذكر هذا ليدفع عنهم الإشكال والريب الذي اعترض لهم في أمر البعث؛ لأن الأعجوبة في الإعادة ليست بأكثر من الأعجوبة في الإنشاء والابتداء، فذكر ابتداء خلقهم لينفي عنهم الريب في الإعادة.

وجائز أن يكون ذكر خلقهم من الماء المهين، وهو الماء المستعاف المستقذر ليدعوا تكبرهم وتجبرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقادوا، ويجيبوا إلى ما دعاهم إليه.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

المهين: القليل الغناء، ومثله الحقير الذليل وفى خلق الإنسان على هذا الكمال من الحواس الصحيحة والعقل والتميز من ماء مهين أعظم الاعتبار، وأبين الحجة على ان له مدبرا وصانعا وخالقا خلقه وصنعه فمن جحده كان كالمكابر لما هو من دلائل العقول.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

«الماء المهين»: وهو المني من الرجل والمرأة.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن هذا هو النوع الثالث من تخويف الكفار، ووجه التخويف فيه من وجهين: (الأول) أنه تعالى ذكرهم عظيم إنعامه عليهم، وكلما كانت نعمة الله عليهم أكثر كانت جنايتهم في حقه أقبح وأفحش، وكلما كان كذلك كان العقاب أعظم، فلهذا قال عقيب ذكر هذا الإنعام: {ويل يومئذ للمكذبين}...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

من الجولة في المصارع والأشلاء، إلى جولة في الإنشاء والإحياء، مع التقدير والتدبير، للصغير والكبير:

(ألم نخلقكم من ماء مهين؟ فجعلناه في قرار مكين؟ إلى قدر معلوم؟ فقدرنا فنعم القادرون. ويل يومئذ للمكذبين)..

وهي رحلة مع النشأة الجنينية طويلة عجيبة، يجملها هنا في لمسات معدودة. ماء مهين. يودع في قرار الرحم المكين. إلى قدر معلوم وأجل مرسوم.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

تقرير أيضاً يجري فيه ما تقدم في قوله: {ألم نهلك الأولين، جيء به على طريقة تعداد الخطاب في مقام التوبيخ والتقريع.

وكل من التقرير والتقريع من مقتضيات ترك العطف لشَبَهه بالتكرير في أنه تكرير معنى وإن لم يكن تكرير لفظ، والتكرير شبيه بالأعداد المسرودة فكان حقه ترك العطف فيه.

والماء: هو ماء الرجُل. وميمه أصلية وليس هو من مادة هَان.

وحرف {مِن} للابتداء لأن تكوين الإِنسان نشأ من ذلك الماء، كما تقول: هذه النخلة مِن نواة تَوْزَرِيَّة.

وجعل خلق الإِنسان من ماء الرجل لأنه لا يتم تخلقه إلاّ بذلك الماء إذا لاقى بويضات الدم في الرحم، فاقتصرت الآية على ما هو مشهور بين الناس لأنهم لا يعلمون أكثر من ذلك، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم تكوينَ الجنين من ماء المرأة وماء الرجل.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَخۡلُقكُّم مِّن مَّآءٖ مَّهِينٖ} (20)

{ ألم نخلقكم من ماء مهين } أي النطفة

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَخۡلُقكُّم مِّن مَّآءٖ مَّهِينٖ} (20)

ولما ذكر الإهلاك على ذلك الوجه الدال على القدرة التامة على البعث وعلى-{[70875]} ما يوعد به بعد البعث ، أتبعه الدلالة بابتداء الخلق وهو أدل فقال {[70876]}مقرراً ومنكراً{[70877]} على من يخالف{[70878]} علمه بذلك عمله : { ألم نخلقكم } أي أيها المكذبون بما لنا من العظمة التي لا تعشرها{[70879]} عظمة { من ماء مهين * } أي نطفة مذرة ذليلة ، وهو من-{[70880]} مهن{[70881]} بالفتح ، قال في القاموس : والمهين : الحقير الضعيف والقليل


[70875]:زيد من م.
[70876]:من ظ و م، وفي الأصل: منكرا ومقررا.
[70877]:من ظ و م، وفي الأصل: منكرا ومقررا.
[70878]:من ظ و م، وفي الأصل: يخالفه.
[70879]:من ظ و م، وفي الأصل: نفسرها.
[70880]:زيد من م.
[70881]:من م، وفي الأصل و ظ: مهين.