تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَحِفۡظٗا مِّن كُلِّ شَيۡطَٰنٖ مَّارِدٖ} (7)

6

المفردات :

مارد : المارد والمريد ، خارج على الطاعة ، من قولهم : شجر أمرد ، إذا تعرى من الورق .

التفسير :

7- { وحفظا من كل شيطان مارد } .

أي : جعل الله النجوم زينة للسماء ، وهداية للسائرين في البر والبحر ، ولها وظيفة ثالثة ، وهي حفظ غيب السماء وحديث الملائكة من تلصص الجن عليه .

وفي السنة الصحيحة ، أن الجنّ كانوا إذا أرادوا معرفة غيب السماء ، أو مستقبل بعض الناس في الأرض ، كانوا يرصّون بعضهم فوق بعض ، فيضع جنّي قدميه فوق أكتاف جني آخر ، ويضع الجني الثالث قدميه فوق أكتاف الجني الثاني وهكذا ، حتى يستطيع الجني الأخير سماع أصوات الملائكة ، والتقاط حديث الملائكة عن أمور الخلائق في هذه الدنيا ، ثم ينزل الجني الأخير فيخبر الكهّان بأخبار السماء ، ثم يكذب الكاهن مع هذا الخبر الصادق مائة كذبة ، فإذا لامه الناس على كذبه ، قال ألم أخبركم بخبر صادق يوم كذا وكذا ، فلما أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم شُدّت الحراسة على السماء ، فمن حاول استماع أخبار السماء أو التقاط أخبارها : أصابه شهاب ثاقب ، أي نجم مضيء يصيب الجنيّ الذي استرق السمع ، فيقتله أو يخبله ، فلما شاهد ذلك رئيس الجنّ قال لأتباعه : انطلقوا في الأرض فانظروا ماذا حدث فيها حتى نعرف السبب في تشديد الحراسة على السماء ، والرمي بالشهب لمن أراد استراق السمع . فانطلق آلاف الجن إلى مكة ، فاستمعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم من صلاة الفجر ، فآمنوا به ، وقد نزلت الآيات الأولى من سورة الجنّ في هذا المعنى .

حيث يقول سبحانه وتعالى : { قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا } . [ الجن : 1 ، 2 ] .

ويقول سبحانه وتعالى على لسان الجن : { وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا* وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له ، شهابا رصدا * وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أو أراد بهم ربهم رشدا* وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا } . [ الجن 8-11 ] .

وتفيد الآيات أن الجن طوائف وفرق كثيرة ، منهم الصالح المطيع ، ومنهم العاصي المتمرد ، ومنهم الذكي ومنهم الغبيّ ، وقد تحدث القرآن عن الجنّ ، كما تحدثت السنة الصحيحة عن الجن ، ومن ذلك أن الله تعالى سخر الجن لسليمان تبنى له ما يشاء من محاريب وتماثيل وقصاع كبيرة ، وقدور كبيرة راسية في أماكنها ، واستمرت الجن في خدمة سليمان ، حتى بعد موته لحكمة أرادها الله : حتى يتيقن الجميع أنهم لا يعلمون الغيب .

قال تعالى : { فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته ، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين } . [ سبأ : 14 ] .

والجنّ يستغلون السذّج والبسطاء من الناس ، ويستغفلونهم ويزيدونهم رهقا ، ولا سلطان للشياطين على المؤمنين الأقوياء ، الذين يستعيذون بالله من الشيطان الرجيم .

ومن وسائل الحفظ من الجن ما يأتي :

1- قراءة آية " الكرسي " .

2- قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة " البقرة " .

3- قراءة " قل هو الله أحد " و " المعوذتين " .

4- اليقين الجازم بأن الله هو النافع الضار ، وأن أحدا لا ينفع أو يضّر إلا بإذن الله وحده .

قال تعالى : { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله . . . } [ البقرة : 102 ] .

والمؤمن المتحصّن بطاعة الله وذكره ، وقراءة أدعية من القرآن الكريم والسنّة المطهرة في حرز حصين ، والذي يجري وراء الدجالين والمشعوذين ، يتعرض للاضطراب والإحباط والاستغلال ، لأن الجن نفسها تشمت في الإنسان الذي يتحصن بها ويلجأ إليها ، فتزيده خبالا .

قال تعالى : { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادهم رهقا } . [ الجن : 6 ] .

ومن أدعية القرآن الكريم :

1- { حسبنا الله ونعم الوكيل } . [ آل عمران : 173 ] .

2- { وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد } . [ غافر : 44 ] .

3- { فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين } . [ يوسف : 64 ] .

ومن أدعية السنة المطهرة :

1- " أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر " {[537]} .

2- " أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة " {[538]} .

3- " أعيذك بكلمات الله التامات المباركات ، ما علمت منها وما لم أعلم ، ومن شر ما ينزل في الأرض وما يخرج منها ، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان " {[539]} .

وفي السنة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ " قل هو الله أحد " والمعوذتين 3 مرات كل يوم ، ويتفل في يديه ، ويمسح بهما وجهه وما أقبل من صدره ، ويفعل مثل ذلك صباح كل يوم .

ومن السنة أن يقول كل يوم : " اللهم إني أسال خير هذا اليوم وخير ما فيه ، وأعوذ بك من شره وشر ما فيه " {[540]} .

وخلاصة معنى الآية الكريمة :

{ وحفظا من كل شيطان مارد } . وحفظنا السماء حفظا بتلك الكواكب ، ومن عفريت من الجنّ شرير متمرد خارج على الطاعة ، حيث تنزل منها الشهب ، فتحرق من يحاول استراق السمع .


[537]:أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر: رواه مسلم في السلام (2202) وابن ماجة في الطب (3522) من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل باسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر".
[538]:أعوذ بكلمات الله التامة: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (3371)، والترمذي في الطب (2060) وأبو داود في السنة (4737)، وابن ماجة (3525)، وأحمد (2113، 2430) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول: " إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة "
[539]:ومن طوارق الليل والنهار: رواه مالك في الموطأ كتاب الجامع (1773) من حديث يحيى بن سعيد أنه قال: أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى عفريتا من الجن يطلبه بشعلة من نار كلما التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال له جبريل: أفلا أعلمك كلمات تقولهن إذا قلتهن طفئت شعلته وخر لفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بلى " فقال جبريل: فقال: أعوذ بوجه الله الكريم وبكلمات الله التامات اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وشر ما يعرج فيها وشر ما ذرأ في الأرض وشر ما يخرج منها، ومن فتن الليل والنهار، ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان.
[540]:اللهم إني أسألك خير هذا اليوم: رواه أبو داود في الأدب (5084) بلفظ: " إذا أصبح أحدكم فليقل: أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين اللهم إني أسألك خير هذا اليوم فتحه ونصره ونوره وبركته وهداه، وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده " قم إذا أمسى فليقل مثل ذلك.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَحِفۡظٗا مِّن كُلِّ شَيۡطَٰنٖ مَّارِدٖ} (7)

والثانية : حراسة السماء عن كل شيطان مارد ،

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَحِفۡظٗا مِّن كُلِّ شَيۡطَٰنٖ مَّارِدٖ} (7)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

متمرد على الله عز وجل في المعصية.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَحِفْظا" يقول تعالى ذكره: وَحِفْظا للسماء الدنيا زيناها بزينة الكواكب...

وتأويل الكلام: وحفظا لها من كل شيطان عات خبيث زيناها...

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

{مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ}: خبيث خال عن الخير...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

الحفظ: المنع من ذهاب الشيء، ومنه حفظ القرآن بالدرس المانع من ذهابه.

المارد: الخارج إلى الفساد العظيم، وهو وصف للشياطين وهم المردة، وأصله الانجراد...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

خص تعالى السماء الدنيا بالذكر لأنها التي تباشر بأبصارنا، وأيضاً فالحفظ من الشيطان إنما هو فيها وحدها.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

لما أخبر أن الملائكة تنزل بالوحي من السماء، بين أنه حرس السماء عن استراق السمع بعد أن زينها بالكواكب.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان كون الشيء الواحد لأشياء متعددة أدل على القدرة وأظهر في العظمة، قال دالاً بالعطف على غير معطوف عليه ظاهر على مقدر، يدل على أن الزينة بالنجوم أمر مقصود لا اتفاقي: {وحفظاً} أي زيناها بها للزينة وللحفظ.

ولما كان القصد التعميم في الحفظ من كل عاتٍ سواءٍ كان بالغاً في العتو أو لا قال: {مارد} أي مجرد عن الخير عاتٍ في كل شر سواء كان بالغاً في ذلك أقصى الغايات أو كان في أدنى الدرجات كضارب وضراب...

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

حفظنا السماء أن يتطاول لدرك جمالها، وفهم محاسن نظامها، الجهال والشياطين المتمردون من الجن والإنس؛ لأنهم غافلون عن آياتنا، معرضون عن التفكر في عظمتها، فالعيون مفتحة، ولكن لا تبصر الجمال ولا تفكر فيه، حتى تعتبر بها فيه...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الحفظ من الشياطين حكمة من حكم خلق الكواكب في علم الله تعالى؛ لأن الكواكب خُلقت قبل استحقاق الشياطين الرجم، فإن ذلك لم يحصل إلا بعد أن أُطرد إبليس من عالم الملائكة، ومعنى كون الكواكب حفظاً من الشياطين أن من جملة الكواكب الشهبَ التي تُرجم بها الشياطين عند محاولتها استراق السمع، فتفرّ الشياطين خشية أن تصيبها لأنها إذا أصابت أشكالها اخترقتها فتفككت، فلعلها تزول أشكالها بذلك التفكك فتنعدم بذلك قوام ماهيتها أو تتفرق لحظة لم تلتئم بعد، فتتألَّم من ذلك الخرق والالتئام.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

ثم للكواكب مهمة أخرى: {وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ} يعني: تحفظنا هذه الكواكب من الشياطين؛ لأنها تنقضّ على الشياطين فتحرقها، وهذا النوع يُسمُّونه النيازك، أما زينة الكواكب فباقية لأنها لا دَخْل لها بهذه المسألة، أما النجوم المخصصة للشيطان المارد، فلا بُدَّ أنْ تتناقص.

ومعنى (المارد) أي: المتمرد على منهج ربه، لأنه وارث لإبليس، يقف من ذريته نفس الموقف الذي وقفه إبليس من آدم، فإنْ قلْتَ: الله تعالى يريد أن يسود منهجه الكونَ، ليسود السلامُ والأَمْن والطمأنينة، فلماذا إذن يخلق الشيطان المارد؟ نقول: ليُوصِّل الإيمان في النفس المؤمنة مع وجود المخالف، وإلا فما الميزة إذا كان الجميع مؤمنين طائعين، إذن: لابُدَّ أنْ نُصفي أهل الإيمان، وأنْ نُمحِّصهم لنعلم أهل الثبات، لأنهم سيحملون دعوة يظل نداؤها إلى أنْ تقومَ الساعة، فهذه لا يحملها ألا أولو العزم.