جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ثُمَّ مَآ أَدۡرَىٰكَ مَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ} (18)

وله : ثُمّ ما أدْرَاكَ ما يَوْمُ الدّينِ ؟ يقول : ثم أيّ شيء أشعرك أيّ شيء يوم المجازاة والحساب يا محمد ، تعظيما لأمره ثم فسّر جلّ ثناؤه بعض شأنه فقال : يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئا : يقول : ذلك اليوم ، يوم لا تملك نفس ، يقول : يوم لا تُغني نفس عن نفس شيئا ، فتدفع عنها بليّة نزلت بها ، ولا تنفعها بنافعة ، وقد كانت في الدنيا تحميها ، وتدفع عنها من بغاها سوءا ، فبطل ذلك يومئذٍ ، لأن الأمر صار لله الذي لا يغلبه غالب ، ولا يقهره قاهر ، واضمحلت هنالك الممالك ، وذهبت الرياسات ، وحصل الملك للملك الجبار ، وذلك قوله : وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ يقول : والأمر كله يومئذٍ ، يعني الدين لله دون سائر خلقه ، ليس لأحد من خلقه معه يومئذٍ أمر ولا نهي . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَالأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ قال : ليس ثم أحد يومئذٍ يقضي شيئا ، ولا يصنع شيئا إلاّ ربّ العالمين .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئا وَالأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ والأمر والله اليوم لله ، ولكنه يومئذٍ لا ينازعه أحد .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ فقرأته عامة قرّاء الحجاز والكوفة بنصب يَوْمَ إذ كانت إضافته غير محضة . وقرأه بعض قرّاء البصرة بضم «يَوْمُ » ورفعه ردّا على اليوم الأوّل ، والرفع فيه أفصح في كلام العرب ، وذلك أن اليوم مضاف إلى يفعل ، والعرب إذا أضافت اليوم إلى تفعل أو يفعل أو أفعل رفعوه فقالوا : هذا يوم أفعل كذا ، وإذا أضافته إلى فعل ماضٍ نصبوه ومنه قول الشاعر :

عَلى حِينَ عاتَبْتُ المَشِيبَ عَلى الصّبا وقُلْتُ ألَمّا تَصْحُ والشّيْبُ وَازِعُ ؟

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ مَآ أَدۡرَىٰكَ مَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ} (18)

تكرير للتهويل تكريراً يؤذن بزيادته ، أي تجاوزه حدّ الوصف والتعبير فهو من التوكيد اللفظي ، وقرن هذا بحرف { ثمّ } الذي شأنه إذا عطف جملة على أخرى أن يفيد التراخي الرتبي ، أي تباعد الرتبة في الغرض المسوق له الكلام ، وهي في هذا المقام رتبة العظمة والتهويل ، فالتراخي فيها هو الزيادة .