جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَخَرَجَ مِنۡهَا خَآئِفٗا يَتَرَقَّبُۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (21)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقّبُ قَالَ رَبّ نَجّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ * وَلَمّا تَوَجّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىَ رَبّيَ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السّبِيلِ } .

يقول تعالى ذكره : فخرج موسى من مدينة فرعون خائفا من قتله النفس أن يقتل به يترقب يقول : ينتظر الطلب أن يدركه فيأخذه . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَخَرَجَ مِنْها خائِفا يتَرَقّبُ خائفا من قتله النفس يترقب الطلب قالَ رَبّ نَجّنِي مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة فَخَرَجَ مِنْها خائِفا يَتَرقّبُ قال : خائفا من قتل النفس ، يترقب أن يأخذه الطلب .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ذُكر لي أنه خرج على وجهه خائفا يترقب ما يدري أيّ وجه يسلك ، وهو يقول : رَبّ نَجّنِي مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله فَخَرَجَ مِنْها خائِفا يَترَقّبُ قال : يترقب مخافة الطلب .

وقوله : قالَ رَبّ نَجّنِي مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ يقول تعالى ذكره : قال موسى وهو شاخص عن مدينة فرعون خائفا : ربّ نجني من هؤلاء القوم الكافرين ، الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَخَرَجَ مِنۡهَا خَآئِفٗا يَتَرَقَّبُۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (21)

فخرج موسى عليه السلام وأفلت القوم فلم يجده أحد منهم وخرج بحكم فزعه ومبادرته إلى الطريق المؤدية إلى مدين وهي مدينة قوم شعيب عليه السلام ، وكان موسى لا يعرف تلك الطريق ، ولم يصحب أحداً ، فركب مجهلتها واثقاً بالله تعالى ومتوكلاً عليه ، قال السدي ومقاتل : فروي أن الله تعالى بعث إليه جبريل ، وقيل ملكاً غيره ، فسدده إلى طريق مدين وأعطاه عصا يقال هي كانت عصاه ، وروي أن عصاه إنما أخذها لرعي الغنم في مدين وهو أصح وأكثر ، وبين مدين ومصر مسيرة ثمانية أيام قاله ابن جبير والناس ، وكان ملك مدين لغيرفرعون ، وحكى الطبري عن ابن جريج أو ابن أبي نجيح ، شك الطبري{[9128]} أنه قال : إن الذي { أراد أن يبطش } هو الإسرائيلي فنهاه موسى عن ذلك بعد أن قال له { إنك لغوي مبين } [ القصص : 18 ] ففزع الإسرائيلي عند ذلك من موسى وخاطبه بالفضح وكان موسى من الندامة والتوبة في حد لا يتصور معه أن يريد البطش بهذا الفرعوني الآخر ، وروى ابن جريج أن اسم الرجل الساعي { من أقصى المدينة } شمعون ، وقال ابن إسحاق : شمعان .

قال الفقيه القاضي أبو محمد : والثبت في هذا ونحوه بعيد .


[9128]:قال الطبري بعد ذلك: "وهو في الكتاب ابن أبي نجيح".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَخَرَجَ مِنۡهَا خَآئِفٗا يَتَرَقَّبُۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (21)

والترقب : حقيقته الانتظار ، وهو مشتق من رقب إذا نظر أحوال شيء . ومنه سمي المكان المرتفع : مرقبة ومرتقباً ، وهو هنا مستعار للحذر .

وجملة { قال رب نجني } بدل اشتمال من جملة { يترقب } لأن ترقبه يشتمل على الدعاء إلى الله بأن ينجيه .

والقوم الظالمون هم قوم فرعون . ووصفهم بالظلم لأنهم مشركون ولأنهم راموا قتله قصاصاً عن قتل خطإ وذلك ظلم لأن الخطأ في القتل لا يقتضي الجزاء بالقتل في نظر العقل والشرع .

ومحل العبرة من قصة موسى مع القبطي وخروجه من المدينة من قوله { ولما بلغ أشده } [ القصص : 14 ] إلى هنا هو أن الله يصطفي من يشاء من عباده ، وأنه أعلم حيث يجعل رسالاته ، وأنه إذا تعلقت إرادته بشيء هيأ له أسبابه بقدرته فأبرزه على أتقن تدبير ، وأن الناظر البصير في آثار ذلك التدبير يقتبس منها دلالة على صدق الرسول في دعوته كما أشار إليه قوله تعالى { فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون } [ يونس : 16 ] . وإن أوضح تلك المظاهر هو مظهر استقامة السيرة ومحبة الحق ، وأن دليل عناية الله بمن اصطفاه لذلك هو نصره على أعدائه ونجاته مما له من المكائد . وفي ذلك كله مثل للمشركين لو نظروا في حال محمد صلى الله عليه وسلم في ذاته وفي حالهم معه . ثم { إن } في قوله تعالى { إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك } الآية إيماء إلى أن رسوله صلى الله عليه وسلم سيخرج من مكة وأن الله منجيه من ظالميه .