التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَمۡ تَرَكُواْ مِن جَنَّـٰتٖ وَعُيُونٖ} (25)

ثم بين - سبحانه - سوء مآلهم فقال : { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } و { كَمْ } هنا خبرية للتكثير والتهويل ، أى : ما أكثر هؤلاء المغرقون خلفهم من بساتين ناضرة ، وعيون يخرج منها الماء النمير . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كَمۡ تَرَكُواْ مِن جَنَّـٰتٖ وَعُيُونٖ} (25)

استئناف ابتدائي مسوق للعبرة بعواقب الظالمين المغرورين بما هم فيه من النعمة والقوة ، غروراً أنساهم مراقبة الله فيما يرضيه ، فموقع هذا الاستئناف موقع النتيجة من الدليل أو البيان من الإجمال لما في قوله : { ولقد فتنَّا قبلهم قوم فرعون } [ الدخان : 17 ] من التنظير الإجمالي .

وضمير { تركوا } عائد إلى ما عاد إليه ضمير { إنهم جند مغرقون } [ الدخان : 24 ] .

والترك حقيقته : إلقاء شيء في مَكانٍ منتقلَ عنه إبقاء اختيارياً ، ويطلق مجازاً على مفارقة المكان والشيءِ الذي في مكان غلبة دون اختيار وهو مجاز مشهور يقال : ترك الميت مالاً ، ومنه سمي مخلف الميت تركة وهو هنا من هذا القبيل .

وفعل { تركوا } مؤذن بأنهم أغرقوا وأعدموا ، وذلك مقتضى أن ما أمر الله به موسى من الإسراء ببني إسرائيل وما معه من اتباع فرعون إياهم وانفلاق البحر وإزلاف بني إسرائيل واقتحام فرعون بجنوده البحر ، وانضمام البحر عليهم قد تم ، ففي الكلام إيجازُ حذففِ جمل كثيرة يدل عليها { كم تركوا } .

و { كم } اسم لعدد كثير مُبهم يفسِّر نوعَه مميزٌ بعد { كم } مجرورٌ ب { من } مذكورةٍ أو محذوفة . وحكم { كم } كالأسماء تكون على حسب العوامل . وإذ كان لها صدر الكلام لأنها في الأصل استفهام فلا تكون خبرَ مبتدأ ولا خبرَ ( كان ) ولا ( إنّ ) وإذا كانت معمولة للأفعال وجب تقديمها على عاملها . وانتصب { كم } هنا على المفعول به ل { تركوا } أي تركوا كثيراً من جنات . و { مِن } مميزة لمبهم العدد في { كم } .