التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَحۡرُثُونَ} (63)

ثم انتقتل السورة الكريمة إلى بيان الدليل الثانى على صحة البعث وإمكانيته . فقال - تعالى - : { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزارعون لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } .

والحرث : شق الأرض من أجل زراعتها ، والمراد به هنا : وضع البذر فيها بعد حرثها .

أى : أخبرونى عن البذور التى تلقون بها فى الأرض بعد حرثها ، أأنتم الذين تنبتونها وتصيرونها زرعا بهيجا نضرا أم نحن الذين نفعل ذلك ؟ لا شك أنا نحن الذين نصير هذه البذور زروعا ونباتا يانعا ، ولو نشاء لجعلنا هذا النبات { حُطَاماً } أى مكسرا مهشما يابسا لا نفع فيه ، فظللتم بسبب ذلك { تَفَكَّهُونَ } أى : فصرتم بسبب ما أصاب زرعكم من هلاك ، تتعجبون مما أصابه ، وتتحسرون على ضياع أموالكم ، وتندمون على الجهد الذى بذلتموه من غير فائدة . . .

وأصل التفكه : التنقل فى الأكل من فاكهة إلى أخرى ، ثم استعير للتنقل من حديث إلى آخر ، وهو هنا ما يكون من أحاديثهم المتنوعة بعد هلاك الزرع .

والمراد بالتفكه هنا : التعجب والندم والتحسر على ما أصابهم .

وقوله - سبحانه - : { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ } مقول لقول محذوف . أى : فصرتم بسبب تحطيم زروعكم تتعجبون ، وتقولون على سبيل التحسر : إنا لمهلكون بسبب هلاك أقواتنا ، من الغرام بمعنى الهلاك . أو إنا لمصابون بالغرم والاحتياج والفقر ، بسبب ما أصاب زرعنا . من الغرم وهو ذهاب المال بلا مقابل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَحۡرُثُونَ} (63)

وقف تعالى الكفار على أمر الزرع الذي هو قوام العيش ، وبين لكل مفطور أن الحراث الذي يثير الأرض ويفرق الحب ليس يفعل في نبات الزرع شيء ، وقد يسمى الإنسان زارعاً ، ومنه قوله عز وجل : { يعجب الزراع }{[10918]} [ الفتح : 29 ] لكن معنى هذه الآية : { أأنتم تزرعونه } زرعاً يتم { أم نحن } . وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لا تقولن زرعت ، ولكن قل حرثت » ، ثم تلا أبو هريرة رضي الله عنه هذه الآية{[10919]} .


[10918]:من الآية(29) من سورة (الفتح).
[10919]:أخرجه البزار، وابن جرير، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي في "شعب الإيمان" وضعفه.(الدر المنثور).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَحۡرُثُونَ} (63)

انتقال إلى دليل آخر على إمكان البعث وصلاحية قدرة الله له بضرب آخر من ضروب الإِنشاء بعد العدم .

فالفاء لتفريع ما بعدها على جملة : { نحن خلقناكم فلولا تصدقون } [ الواقعة : 57 ] كما فرع عليه قوله : { أفرأيتم ما تمنون } [ الواقعة : 58 ] ليكون الغرض من هذه الجمل متحداً وهو الاستدلال على إمكان البعث ، فقصد تكرير الاستدلال وتعداده بإعادة جملة { أفرأيتم } وإن كان مفعول فعل الرؤية مختلفاً وسيجيء نظيره في قوله بعده { أفرأيتم الماء الذي تشربون } [ الواقعة : 68 ] وقوله : { أفرأيتم النار التي تُورُون } [ الواقعة : 71 ] .

وإن شئت جعلت الفاء لتفريع مجرد استدلال على استدلال لا لتفريع معنى معطوفها على معنى المعطوف عليه ، على أنه لما آل الاستدلال السابق إلى عموم صلاحية القدرة الإِلهية جاز أيضاً أن تكون هذه الجملة مراداً بها تمثيل بنوع عجيب من أنواع تعلقات القدرة بالإيجاد دون إرادة الاستدلال على خصوص البعث فيصح جعل الفاء تفريعاً على جملة { أفرأيتم ما تمنون } من حيث إنها اقتضت سعة القدرة الإِلهية .

ومناسبة الانتقال من الاستدلال بخلق النسل إلى الاستدلال بنبات الزرع هي التشابه البيّن بين تكوين الإنسان وتكوين النبات ، قال تعالى : { والله أنبتكم من الأرض نباتاً } [ نوح : 17 ] .

والقول في { أفرأيتم ما تحرثون } نظير قوله : { أفرأيتم ما تمنون } [ الواقعة : 58 ] .

و { ما تحرثون } موصول وصلة والعائد محذوف .

والحرث : شق الأرض ليزرع فيها أو يغرس .

وظاهر قوله : { ما تحرثون } أنه الأرض إلا أن هذا لا يلائم ضمير { تزرعونه } فتعين تأويل { ما تحرثون } بأن يقدر : ما تحرثون له ، أي لأجله على طريقة الحذف والإيصال ، والذي يحرثون لأجله هو النبات ، وقد دل على هذا ضمير النصب في { أأنتم تزرعونه } لأنه استفهام في معنى النفي والذي ينفَى هو ما ينبت من الحب لا بذره .