التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ إِن كُنتَ جِئۡتَ بِـَٔايَةٖ فَأۡتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (106)

وإلى هنا يكون موسى - عليه السلام - قد بين لفرعون طبيعة رسالته وطالبه برفع الظلم عن المظلومين فماذا كان رد فرعون .

يحكى القرآن رده فيقول : { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ } أى : بمعجزة تشهد بصدقك من عند من أرسلك كما تدعى { فَأْتِ بِهَآ } أى : فأحضرها عندى ليثبت بها صدقك في دعواك { إِن كُنتَ مِنَ الصادقين } في دعواك أنك من الملتزمين لقول الحق .

وعبر بإن المفيدة للشك في تحقيق مضمون الجملى الشرطية ، للايذان بأنه ليس معتقداً في صدق موسى - عليه السلام .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ إِن كُنتَ جِئۡتَ بِـَٔايَةٖ فَأۡتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (106)

قال القاضي أبو محمد : و { حقيق على } هذا معناه جدير وخليق ، وقال الطبري : قال قوم : { حقيق } معناه حريص فلذلك وصلت ب { على } ، وفي هذا القول بعد ، وقال قوم : { حقيق } صفة لرسول تم عندها الكلام ، وعلى خبر مقدم و { أن لا أقول } ابتداء تقدم خبره ، وإعراب { أن } على قراءة من سكن الياء خفض ، وعلى قراءة من فتحها مشددة رفع ، وقال الكسائي في قراءة عبد الله «حقيق بأن لا أقول » ، وقال أبو عمرو في قراءة عبد الله : «حقيق أن أقول » وبه قرأ الأعمش ، وهذه المخاطبة إذا تأملت غاية في التلطف ونهاية في القول اللين الذي أمر عليه السلام به .

وقوله { قد جئتكم ببينة من ربكم } الآية ، البينة هنا إشارة إلى جميع آياته وهي على المعجزة هنا أدل ، وهذا من موسى عرض نبوته ومن فرعون استدعاء خرق العادة الدالة على الصدق .

وظاهر الآية وغيرها أن موسى عليه السلام لم تنبن شريعته إلا على بني إسرائيل فقط ، ولم يدع فرعون وقومه إلا إلى إرسال بني إسرائيل ، وذكره لعله يخشى أو يزكى ويوحد كما يذكر كل كافر ، إذ كل نبي داع إلى التوحيد وإن لم يكن آخذاً به ومقاتلاً عليه ، وأما إن دعاه إلى أن يؤمن ويلتزم جميع الشرع فلم يرد هذا نصاً ، والأمر محتمل ، وبالجملة فيظهر فرق ما بين بني إسرائيل وبين فرعون والقبط ، ألا ترى أن بقية القبط وهم الأكثر لم يرجع إليهم موسى أبداً ولا عارضهم وكان القبط مثل عبدة البقر وغيرهم وإنما احتاج إلى محاورة فرعون لتملكه على بني إسرائيل .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قَالَ إِن كُنتَ جِئۡتَ بِـَٔايَةٖ فَأۡتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (106)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

إن كنت جئت بآية، يقول: بحجة وعلامة شاهدة على صدق ما تقول، فأت بها إن كنت من الصادقين.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

دل قوله {إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين} أنه عرف أنه ليس بإله، وعرف عبودة نفسه حين طلب منه الآية على صدق ما ادّعى من الرسالة. ولو كان عنده أنه إله لكان قال لموسى: أنا الإله، فمتى أرسلتك؟ ولم يطلب منه الآية...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

... إن كنت جئت من عند من أرسلك بآية فأتني بها وأحضرها عندي لتصحّ دعواك ويثبت صدقك.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

لما عرض موسى عليه السلام رسالته على فرعون وذكر الدليل على صدقه وهو مجيئه بالبينة والخارق المعجز استدعى فرعون منه خرق العادة الدالّ على الصدق وهذا الاستدعاء يحتمل أن يكون على سبيل الاختبار وتحويزه ذلك ويحتمل أن يكون على سبيل التعجيز لما تقرّر في ذهن فرعون أن موسى لا يقدر على الإتيان ببينة والمعنى إن كنت جئت بآية من ربك فاحضرها عندي لتصحّ دعواك ويثبت صدقك...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

فكأنه قيل: فماذا قال فرعون في جواب هذا الأمر الواضح؟ فقيل: {قال} معرضاً عنه معمياً له خوفاً من غائلته عند من يعرف موسى عليه السلام حق المعرفة معبراً بأداة الشك إيقافاً لهم: {إن كنت جئت بآية} أي علامة على صحة رسالتك {فأت بها} فأوهم أنه لم يفهم إلا أن المراد أنه سيقيمها من غير أن يكون في كلامه السابق دلالة على صدقه، وأكد الإبهام والشك بقوله: {إن كنت} أي جبلة وطبعاً {من الصادقين} أي في عداد أهل الصدق العريقين فيه لتصح دعواك عندي وتثبت...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{قال إن كنت جئت بآية} أي قال فرعون لموسى عليه السلام: إن كنت جئت مصحوبا ومؤيدا بآية من عند من أرسلك كما تدعي –والشرط ب (أن) يدل على الشك في مضمون الجملة الشرطية أو الجزم بنفيها- {فأت بها إن كنت من الصادقين} فأتني بها بأن تظهرها لدي إن كنت من أهل الصدق، الملتزمين لقول الحق، وهذا شك آخر في صدقه، بعد الشك في مجيئه بالآية.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ولم تغب على فرعون وملئه دلالة هذا الإعلان. إعلان ربوبية الله للعالمين.. لم يغب عنهم أن هذا الإعلان يحمل في طياته هدم ملك فرعون. وقلب نظام حكمه، وإنكار شرعيته، وكشف عدوانه وطغيانه.. ولكن كان أمام فرعون وملئه فرصة أن يظهروا موسى بمظهر الكاذب الذي يزعم أنه رسول من رب العالمين بلا بينة ولا دليل: (قال: إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين).. ذلك أنه إذا اتضح أن هذا الداعية إلى ربوبية رب العالمين كاذب في دعواه؛ سقطت دعوته، وهان أمره؛ ولم يعد لهذه الدعوة الخطيرة من خطر -وصاحبها دعي لا بينة عنده ولا دليل!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

قول فرعون: {إن كنت جئت بآية فأت بها} مُتعين لأن يكون معناه: إن كنت جئت بمعجزة، فإن أكثر موارد الآية في القرآن مراد فيه المعجزة، وأكثر موارد البينة مراد فيه الحجة، فالمراد بالبينة في قول موسى {قد جئتكم ببينة من ربكم} الحجة على إثبات الإلهية وعلى حقية ما جاء به من إرشاد لقومه، فكان فرعون غير مقتنع ببرهان العقل أو قاصراً عن النظر فيه فانتقل إلى طلب خارق العادة، فالمعنى: إن كنت جئتنا متمكناً من إظهار المعجزات، لأن فرعون قال ذلك قبل أن يظهر موسى عليه السلام معجزته، فالباء في قوله: {بآية} للمعية التقديرية، أي: متمكناً من آية، أو الباء للملابسة، والملابسة معناها واسع، أي: لك تمكين من إظهار آية.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

ولم يبدر من فرعون أيّ ردّ فعلٍ عنيف ضدّ موسى، بل فكَّر في ما يبدو من جوّ الآية بأن التخلص منه أمرٌ ممكنٌ وفي المتناول، لاعتقاده بأن موسى لا يملك دور الرسول، فإنه لا يملك حجةً على ما يدّعي، فإذا طولب بالبينة التي لا بد أن تكون في مستوى المعجزة الخارقة للعادة، تراجع وانهزم وانكمش في موقفه، فينفضح أمره، ويتبين زيف دعواه من دون مشاكل. ولهذا فقد بدأ بمطالبته بإظهار الآية الدالّة على صدقه: {قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بَِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وبهذه العبارة اتّخذ فرعون ضمن إظهار التشكيك في صدق موسى هيئة الطالب للحق المتحري للحقيقة –ظاهراً- كما يفعل أي متحر للحقيقة باحث عن الحق.