التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا} (11)

{ يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } والمراد بالسماء هنا : المطر لأنه ينزل منها ، وقد جاء فى الحديث الشريف أن من أسماء المطر السماء . فقد روى الشيخان عن زيد بن خالد الجهنى أنه قال " صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية ، على إثر سماء كانت من الليل . . . " أى : على إثر إمطار نازلة بالليل .

ومنه قول بعض الشعراء :

إذا نزل السماء بأرض قوم . . . رعيناه وإن كانوا غضابا

والمدرار : المطر الغزير المتتابع ، يقال : درت السماء بالمطر ، إذا نزل منها بكثرة وتتابع ، والدر ، والدرور معناه : السيلان . . فقوله { مِّدْرَاراً } صيغة مبالغة منهما .

أى : استغفروا ربكم وتوبوا إليه ، فإنكم إذا فعلتم ذلك أرسل الله - تعالى - عليكم بفضله ورحمته ، أمطارا غزيرة متتابعة ، لتنتفعوا بها فى مختلف شئون حياتكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا} (11)

وقوله تعالى : { استغفروا ربكم يرسل السماء } يقتضي أن الاستغفار سبب لنزول المطر في كل أمة . وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استسقى بالناس فلم يزد على أن استغفر ساعة ثم انصرف فقال له قوم : ما رأيناك استسقيت يا أمير المؤمنين ، فقال : والله لقد استنزلت المطر بمجاديح السماء{[11345]} ، ثم قرأ الآية ، وسقى رضي الله عنه ، وشكى رجل إلى الحسن الجرب فقال له : استغفر الله ، وشكى إليه آخر الفقر ، فقال : استغفر إليه ، وقال له آخر : ادع الله أن يرزقني ولداً ، فقال له استغفر الله ، فقيل له في ذلك ، فنزع بهذه الآية .

قال القاضي أبو محمد : والاستغفار الذي أحال عليه الحسن ليس هو عندي لفظ الاستغفار فقط ، بل الإخلاص والصدق في الأعمال والأقوال ، فكذلك كان استغفار عمر رضي الله عنه ، وروي أن قوم نوح كانوا قد أصابهم قحوط وأزمة ، فلذلك بدأهم في وعده بأمر المطر ثم ثنى بالأموال والبنين . قال قتادة : لأنهم كانوا أهل حب للدنيا وتعظيم لأمرها فاستدعاهم إلى الآخرة من الطريق التي يحبونها ، و «مدرار » : مفعال من الدر ، كمذكار ومئناث ، وهذا البناء لا تلحقه التأنيث .


[11345]:مجاديح السماء: أنواؤها ، يقال: أرسلت السماء مجاديحها، والمفرد: مجدح وهو نجم من النجوم كانت العرب تزعم أنها تمطر به، وعمر رضي الله عنه أراد بقوله أن يبطل الأنواء وأن يكذب بها، وأن يقول لهم: إن الاستغفار هو الذي يستسقى به وليست النجوم.