التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} (3)

ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك ما قاله نوح لقومه فقال : { قَالَ ياقوم إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ . أَنِ اعبدوا الله واتقوه وَأَطِيعُونِ } .

أى : قال نوح لقومه -على سبيل التلطف فى النصح ، والتقرب إلى قلوبهم - يا قوم ويا أهلى وعشيرتى : إنى لكم منذر واضح الإِنذار ، ولا أسألكم على هذا الإِنذار الخالص أجرا ، وإنما ألتمس أجرى من الله .

وإنى آمركم بثلاثة أشياء : أن تخلصوا لله - تعالى - العبادة ، وأن تتقوه فى كل أقوالكم وأفعالكم ، وأن تطيعونى فى كل ما آمركم به وأنهاكم عنه .

وافتتح كلامه معهم بالنداء { قَالَ ياقوم } ، أملا فى لفت أنظارهم إليه ، واستجابتهم له ، فإن النداء من شأنه التنبيه للمنادىَ .

ووصف إنذاره لهم بأنه { مُّبِينٌ } ، ليشعرهم بأنه لا لبس فى دعوته لهم إلى الحق ، ولا خفاء فى كونهم يعرفونه ، ويعرفون حرصه على منفعتهم . .

وقال : { إِنِّي لَكُمْ } للإِشارة إلى أن فائدة استجابتهم له ، تعود عليهم لا عليه ، فهو مرسل من أجل سعادتهم وخيرهم .

وأمرهم بطاعته ، بعد أمرهم بعبادة الله وتقواه ، لأن طاعتهم له هى طاعة الله - تعالى - كما قال - تعالى - : { مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} (3)

{ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ } أي : اتركوا محارمه واجتنبوا مآثمه { وَأَطِيعُونِ } فيما آمركم به وأنهاكم عنه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} (3)

وقوله : أنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَاتَقُوه وَأطِيعُونِ يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح لقومه إني لَكمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ بأن اعبدوا الله ، يقول : إني لكم نذير أنذركم ، وآمركم بعبادة الله وَاتّقُوهُ يقول : واتقوا عقابه بالإيمان به ، والعمل بطاعته وأطِيعُونِ يقول : وانتهوا إلى ما آمركم به ، واقبلوا نصيحتي لكم . وقد :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أنِ اعْبُدُوا اللّهَ واتّقُوهُ وأطِيعُونِ قال : أرسل الله المرسلين بأن يُعْبدَ اللّهُ وحده ، وأن تتقي محارمه ، وأن يُطاع أمره .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} (3)

و { أن } في { أن اعبدوا } تفسيرية لأن وصف { نذير } فيه معنى القول دون حروفه ، وأمرهم بعبادة الله لأنهم أعرضوا عنها ونسوها بالتمحض لأصنامهم ، وكان قوم نوح مشركين كما دل عليه قوله تعالى في سورة يونس ( 71 ) { فأجمِعوا أمركم وشرُكاءكم } وبذلك كان تمثيل حال المشركين من العرب بحال قوم نوح تمثيلاً تاماً .

واتقاء الله اتقاء غضبه ، فهذا من تعليق الحكم باسم الذات . والمراد : حال من أحوال الذات من باب { حرمت عليكم الميتة } [ المائدة : 3 ] أي أكلها ، أي بأن يعلموا أنه لا يرضى لعباده الكفر به . وطاعتهم لنوح هي امتثالهم لما دعاهم إليه من التوحيد وقد قال المفسرون : لم يكن في شريعة نوح إلاّ الدعوةُ إلى التوحيد فليس في شريعته أعمال تُطلب الطاعة فيها ، لكن لم تخل شريعة إلهية من تحريم الفواحش مثل قتل الأنفس وسلب الأموال ، فقوله : { يغفر لكم من ذنوبكم } ينصرف بادىء ذي بدء إلى ذنوب الإِشراك اعتقاداً وسجوداً .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} (3)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح لقومه" إني لَكمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ "بأن اعبدوا الله، يقول: إني لكم نذير أنذركم، وآمركم بعبادة الله.

"وَاتّقُوهُ": واتقوا عقابه بالإيمان به، والعمل بطاعته.

"وأطِيعُونِ": وانتهوا إلى ما آمركم به، واقبلوا نصيحتي لكم...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ثم إنه أمر القوم بثلاثة أشياء بعبادة الله وتقواه وطاعة نفسه، فالأمر بالعبادة يتناول جميع الواجبات والمندوبات من أفعال القلوب وأفعال الجوارح، والأمر بتقواه يتناول الزجر عن جميع المحظورات والمكروهات، وقوله: {وأطيعون} يتناول أمرهم بطاعته وجميع المأمورات والمنهيات، وهذا وإن كان داخلا في الأمر بعبادة الله وتقواه، إلا أنه خصه بالذكر تأكيدا في ذلك التكليف ومبالغة في تقريره.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان ترك ما أنذرهم بسببه من الكفر لا يغنيهم إلا إن آمنوا، وكان الإيمان مخلصاً عن عواقب الإنذار لأنه لا يصح إلا مع ترك جميع أنواع الكفر، فسر الإنذار بقوله: {أن اعبدوا الله} أي الملك الأعظم الذي له جميع الكمال، وذلك بأن تخلصوا التوجه إليه فإن غناه يمنع من أن يقبل عبادة فيها شرك وهذا هو الإيمان {واتقوه} أي اجعلوا بينكم وبين غضبه وقاية تمنعكم من عذابه بالانتهاء عن كل ما يكرهه، فلا تتحركوا حركة ولا تسكنوا سكنة إلا في طاعته، وهذا هو العمل الواقي من كل سوء.

ولما كان لا سبيل إلى معرفة ما يرضي الملك ليلزم وما يسخطه ليترك إلا منه، ولا وصول إلى ذلك إلا من خاصته، ولا خاصة مثل رسوله الذي ائتمنه على سره قال: {وأطيعون} أي لأعرفكم ما تقصر عنه عقولكم من صفات معبودكم ودينكم ودنياكم ومعادكم، وأدلكم على اجتلاب آداب تهديكم، واجتناب شبهة ترديكم، ففي طاعتي، فلا حكم يرضي الملك عنكم، وهذا هو الإسلام، فقد جمع هذا الدعاء الإيمان والإسلام والعمل، وهي الأثافي التي تدور عليها أسباب الفلاح.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وعبادة الله وحدة منهج كامل للحياة، يشمل تصور الإنسان لحقيقة الألوهية وحقيقة العبودية؛ ولحقيقة الصلة بين الخلق والخالق، ولحقيقة القوى والقيم في الكون وفي حياة الناس.. ومن ثم ينبثق نظام للحياة البشرية قائم على ذلك التصور، فيقوم منهج للحياة خاص. منهج رباني مرجعه إلى حقيقة الصلة بين العبودية والألوهية، وإلى القيم التي يقررها الله للأحياء والأشياء. وتقوى الله.. هي الضمانة الحقيقية لاستقامة الناس على ذلك المنهج، وعدم التلفت عنه هنا أو هناك، وعدم الاحتيال عليه أو الالتواء في تنفيذه. كما أنها هي مبعث الخلق الفاضل المنظور فيه إلى الله، بلا رياء ولا تظاهر ولا مماراة. وطاعة الرسول.. هي الوسيلة للاستقامة على الطريق، وتلقي الهدى من مصدره المتصل بالمصدر الأول للخلق والهداية، وبقاء الاتصال بالسماء عن طريق محطة الاستقبال المباشرة السليمة المضمونة! فهذه الخطوط العريضة التي دعا نوح إليها قومه في فجر البشرية هي خلاصة دعوة الله في كل جيل بعده، وقد وعدهم عليها ما وعد الله به التائبين.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

في الحقيقة أنّ نوحاً (عليه السلام) قد لخّص مضمون دعوته في ثلاث جمل: عبادة اللّه الواحد، والحفاظ على التقوى، وطاعة القوانين والأوامر التي جاء بها من عند اللّه والتي تمثل مجموعة من العقائد والأخلاق والأحكام.