الآية3 : وقوله تعالى : { أن اعبدوا الله واتقوه } فكأنه قال : أنذرهم على عبادة غير الله ، ومرهم بعبادة[ من يستحق العبادة ، وهو ]{[22145]} الله تعالى ؛ إذ الأمر بالإنذار يقتضي النهي عما عليه ، وهو يدعو إلى خلافه ، وبين لهم الخلاف الذي يدعو إليه بقوله عز وجل : { أن اعبدوا الله واتقوه } .
وقيل : { اعبدوا الله } أي وحدوه .
وقال [ عكرمة ]{[22146]} : كل عبادة جرى بها الأمر في القرآن على الإرسال فهي منصرفة إلى التوحيد ، فكأن الذي حمله{[22147]} على هذا التأويل ، هو أن الآيات التي فيها أمر بالعبادة نزلت في أهل الكفر ، لأنه خاطب بقوله عز وجل : { يا أيها الناس اعبدوا ربكم }[ البقرة : 21 ] ولم يخاطب بقوله : عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم } . وإذا ثبت أنها في أهل الكفر ، والكافر أول ما يؤمر[ به التوحيد ]{[22148]} ليس يخاطب بعبادة آخر{[22149]} سواه ، لأنه ، لأنه ما لم يأت بالتوحيد لم يقبل منه شيء من العبادات ، فجعل{[22150]} تأويل العبادة التوحيد لهذا[ لا لأن ]{[22151]} تكون العبادة[ عبارة ]{[22152]} عن التوحيد خاصة ، بل العبادة : يراد بها التوحيد مرة إذا ذكرت عقيب الكفر[ ومرة ]{[22153]} إذا ذكرت في أهل الإيمان ، فالعبادة منهم أن يفوا بمعاملة ما اعتقدوه بالقول وأن ينجزوا ما وعدوا من أنفسهم .
وهذا كما ذكرنا في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة أنهما إذا ذكرتا في أهل الكفر انصرف المراد من ذلك على الاعتقاد لا إلى الفعل لأنهم ليسوا من أهل الفعل ، وإذا ذكرتا في أهل الإسلام أريد بالإقامة والإيتاء إيجاد الفعل .
فكذلك الحكم في العبادة لقوله : { اعبدوا الله } أي وحدوه { واتقوه } أي اتقوا الإشراك في عبادته { وأطيعون } في ما آمركم به من توحيد الله تعالى ، وألا تشركوا به شيئا .
وجائز أن يكون قوله : { واتقوه } أي اتقوا المهالك كلها ، واتقوا النار كما قال الله عز وجل : { واتقوا النار التي أعدت للكافرين }[ آل عمران : 131 ] وقوله تعالى : { قوا أنفسكم وأهليكم نارا }[ التحريم : 6 ] .
[ وقوله ]{[22154]}{ واتقوه } إذا ذكر على الانفراد ومرسلا اقتضى الانتهاء عما فيه الهلاك ، واقتضى الأمر بالعبادة والطاعة . وإذا جمع بين العبادة والتقوى كانت العبادة انصرفت إلى إتيان الأفعال ، وانصرفت التقوى إلى اتقاء المهالك ، وهو كما قلنا في البر والتقوى : إن كل واحد منهما إذا ذكر مفردا اقتضى ما يقتضيه الآخر ، وإذا جمعا في الذكر صرف أحدهما إلى جهة والآخر إلى جهة أخرى ، وكذلك الإسلام والإيمان إذا أفرد ذكر{[22155]} أحدهما ، يكون معنى كل واحد منهما ، هو معنى الآخر ، وإذا جمعا في الذكر صرف كل واحد منهما إلى جهته على حدة .
وقال الحسن في قوله عز وجل : { واتقوه } أي اتقوا الله في حقه أن تضيعوه ، فهو يجمع ما يؤتى وما يتقى .
ثم الأصل أن الطاعة قد تكون لمن سوى الله ، والعبادة لا تكون إلا لله تعالى . فلذلك قال عند الأمر بالعبادة{ اعبدوا الله } فأضافها إلى الله تعالى ، وأضاف الطاعة إلى نفسه بقوله : { وأطيعون } ففيه دلالة أن ليس في الطاعة لآخر إشراك بالله تعالى في الطاعة ، بل الله تعالى جعل الإشراك في الطاعة بقوله تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله }[ النساء : 80 ] وذم من يعدل بالله تعالى في العبادة بقوله تعالى : { وهم بربهم يعدلون }[ الأنعام : 150 ] .
فالعبادة كأنها تقتضي الخشوع والتضرع على الرجاء والخوف ، والله تعالى هو الذي يرجى منه ، ويخاف من نقمته . فأما الطاعة فهي تقتضي فعلا على الأمر ، لا غير .
وعلى ذلك لما صرفت الكفرة الرجاء والخوف إلى الأصنام بقولهم : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى }[ الزمر : 3 ] وقولهم : { هؤلاء شفعاؤنا عند الله }[ يونس : 18 ] سموا عباد الأصنام . فكل ما يفعل الفعل/598 ب/ على الخوف والرجاء ، فذلك منه عبادة له .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.