التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَٱلۡمُهۡلِ يَغۡلِي فِي ٱلۡبُطُونِ} (45)

ثم بين - سبحانه - طعام أهل النار وحالهم يوم القيامة فقال : { إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم كالمهل يَغْلِي فِي البطون كَغَلْيِ الحميم } .

والمراد بشجرة الزقوم : الشجرة التى خلقها الله - تعالى - فى جهنم ، وسماها الشجرة الملعونة ، ليكون طعام أهل النار منها .

ولفظ الزقوم : اسم لتلك الشجرة ، أو من الزقم بمعنى الالتقام والابتلاع للشيء .

والأثيم : الكثير الآثام والسيئات . والمراد به الكافر لدلالة ما قبله عليه .

والمهل : هو النحاس المذاب ، أو ردئ الزيت الحار .

أي : إن الشجرة المعلونة التى هي شجرة الزقوم ، خلقها الله - تعالى - لتكون طعاما للإِنسان الكافر ، الكثير الآثام والجرائم . .

فتنزل فى بطنه كما ينزل النحاس الجار المذاب ، فيغلى فيها كغلي الماء البالغ نهاية الحرارة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَٱلۡمُهۡلِ يَغۡلِي فِي ٱلۡبُطُونِ} (45)

وقوله : { كَالْمُهْلِ } قالوا : كعكر الزيت { يَغْلِي فِي الْبُطُونِ . كَغَلْيِ الْحَمِيمِ } أي : من حرارتها ورداءتها .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كَٱلۡمُهۡلِ يَغۡلِي فِي ٱلۡبُطُونِ} (45)

وقوله : كالمُهْلِ يَغْلِي فِي البُطُونِ يقول تعالى ذكره : إن شجرة الزقوم التي جعل ثمرتها طعام الكافر في جهنم ، كالرصاص أو الفضة ، أو ما يُذاب في النار إذا أُذيب بها ، فتناهت حرارته ، وشدّت حميته في شدّة السواد .

وقد بيّنا معنى المهل فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع من الشواهد ، وذكر اختلاف أهل التأويل فيه ، غير أنا نذكر من أقوال أهل العلم في هذا الموضع ما لم نذكره هناك :

حدثنا سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا محمد بن الصلت ، قال : حدثنا أبو كدينة ، عن قابوس ، عن أبيه ، قال : سألت ابن عباس ، عن قول الله جلّ ثناؤه : كالمُهْلِ قال : كدرديّ الزيت .

حدثني عليّ بن سهل ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : كالمُهْلِ يَغْلِي فِي البُطُونِ يقول : أسود كمهل الزيت .

حدثنا أبو كريب وأبو السائب ويعقوب بن إبراهيم ، قالوا : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت مطرفا ، عن عطية بن سعد ، عن ابن عباس ، في قوله : كالمُهْلِ ماء غليظ كدرديّ الزيت .

حدثني يحيى بن طلحة ، قال : حدثنا شريك ، عن مطرّف ، عن رجل ، عن ابن عباس في قوله : كالمُهْلِ قال : كدرديّ الزيت .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا خليد ، عن الحسن ، عن ابن عباس ، أنه رأى فضة قد أُذيبت ، فقال : هذا المهل .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، قال : حدثنا عمرو بن ميمون عن أبيه ، عن عبد الله ، في قوله : كالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوه قال : دخل عبد الله بيت المال ، فأخرج بقايا كانت فيه ، فأوقد عليها النار حتى تلألأت ، قال : أين السائل عن المهل ، هذا المهل .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ : وحدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا خالد بن الحارث ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : بلغني أن ابن مسعود سُئل عن المهل الذي يقولون يوم القيامة شراب أهل النار ، وهو على بيت المال ، قال : فدعا بذهب وفضة فأذابهما ، فقال : هذا أشبه شيء في الدنيا بالمهل الذي هو لون السماء يوم القيامة ، وشراب أهل النار ، غير أن ذلك هو أشدّ حرّا من هذا ، لفظ الحديث لابن بشار وحديث ابن المثنى نحوه .

حدثنا أبو كُرَيب وأبو السائب ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا أشعث ، عن الحسن ، قال : كان من كلامه أن عبد الله بن مسعود رجل أكرمه الله بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن عمر رضي الله عنه استعمله على بيت المال ، قال : فعمد إلى فضة كثيرة مكسرة ، فخدّ لها أُخدودا ، ثم أمر بحطب جزل فأوقد عليها ، حتى إذا امّاعت وتزبدت وعادت ألوانا ، قال : انظروا من بالباب ، فأُدخل القوم فقال لهم : هذا أشبه ما رأينا في الدنيا بالمُهْل .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّ شَجَرَةَ الزّقّومِ طَعامُ الأثِيمِ . . . الآية ، ذُكر لنا أن ابن مسعود أُهديت له سقاية من ذهب وفضة ، فأمر بأخدود فخدّت في الأرض ، ثم قُذِف فيها من جزل الحطب ، ثم قذفت فيها تلك السقاية ، حتى إذا أزبدت وانماعت قال لغلامه : ادع من بحضرتنا من أهل الكوفة ، فدعا رهطا ، فلما دخلوا قال : أترون هذا ؟ قالوا نعم ، قال : ما رأينا في الدنيا شبيها للمهل أدنى من الذهب والفضة حين أزبد وانماع .

حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن سفيان الأسديّ ، قال : أذاب عبد الله بن مسعود فضة ، ثم قال : من أراد أن ينظر إلى المهل فلينظر إلى هذا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : يَوْمَ تَكُونُ السّماءُ كالمُهْلِ قال : كدُرديّ الزيت .

حدثني يحيى بن طلحة قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد : كالمهل قال : كدردي الزيت .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يعمر بن بشر ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : حدثنا أبو الصباح ، قال : سمعت يزيد بن أبي سمية يقول : سمعت ابن عمر يقول : هل تدرون ما المهل ؟ المهل مهل الزيت ، يعني آخره .

قال : ثنا إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا أبو الصباح الأيلي ، عن يزيد بن أبي سمية ، عن ابن عمر بمثله .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا رشدين بن سعد ، عن عمرو بن الحارث ، عن درّاج أبي السمح ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله : بِمَاءٍ كالمُهْلِ «كعَكر الزيت ، فإذا قرّبه إلى وجهه ، سقطت فروة وجهه فيه » .

قال : ثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا يعمر بن بشر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا رشدين بن سعد ، قال : ثني عمرو بن الحارث ، عن أبي السمح ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخُدْريّ ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، مثله .

وقوله : فِي البُطُونِ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة والكوفة «تَغْلِي » بالتاء ، بمعنى أن شجرة الزقوم تغلي في بطونهم ، فأنثوا تغلي لتأنيث الشجرة . وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الكوفة يَغْلِي بمعنى : طعام الأثيم يغلي ، أو المهل يغلي ، فذكّره بعضهم لتذكير الطعام ، ووجه معناه إلى أن الطعام هو الذي يغلي في بطونهم وبعضهم لتذكير المهل ، ووجهه إلى أنه صفة للمهل الذي يغلي .

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب كَغَلْي الحَمِيمِ يقول : يغلي ذلك في بطون هؤلاء الأشقياء كغلي الماء المحموم ، وهو المسخن الذي قد أوقد عليه حتى تناهت شدّة حرّه ، وقيل : حميم وهو محموم ؛ لأنه مصروف من مفعول إلى فعيل ، كما يقال : قتيل من مقتول .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كَٱلۡمُهۡلِ يَغۡلِي فِي ٱلۡبُطُونِ} (45)

{ كالمهل } وهو ما يمهل في النار حتى يذوب . وقيل دردي الزيت . { تغلي في البطون } وقرأ ابن كثير وحفص ورويس بالياء على أن الضمير لل { طعام } ، أو { الزقوم } لا " للمهل " إذ الأظهر أن الجملة حال من أحدهما .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَٱلۡمُهۡلِ يَغۡلِي فِي ٱلۡبُطُونِ} (45)

قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما : «المهل » : دردي الزيت وعكره . وقال ابن مسعود وابن عباس أيضاً : «المهل » ما ذاب من ذهب أو فضة أو حديد أو رصاص ونحوه . قال الحسن : كان ابن مسعود على بيت المال لعمر بالكوفة ، فأذاب يوماً فضة مكسرة ، فلما انماعت ، قال : يدخل من بالباب ، فدخلوا ، فقال لهم : هذا أشبه ما رأينا في الدنيا بالمهل . والمعنى أن هذه الشجرة إذا طعمها الكافر في جهنم صارت في جوفه تفعل كما يفعل المهل السخن من الإحراق والإفساد .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كَٱلۡمُهۡلِ يَغۡلِي فِي ٱلۡبُطُونِ} (45)

والمُهل بضم الميم دُرْدِيُّ الزيت . والتشبيه به في سواد لونه وقيل في ذوبانه .

و{ الحميم } : الماء الشديد الحرارة الذي انتهى غليانه ، وتقدم عند قوله تعالى : { لهم شرابٌ من حميم } في سورة الأنعام ( 70 ) . ووجه الشبه هو هيئة غليانه .

وقرأ الجمهور { تغلي } بالتاء الفوقية على أن الضمير ل { شجرة الزقوم } . وإسناد الغليان إلى الشجَرَةِ مجاز وإنما الذي يغلي ثمرها . وقرأه ابن كثير وحفص بالتحتية على رجوع الضمير إلى الطعام لا إلى المُهل .

والغليان : شدة تأثر الشيء بحرارة النار يقال : غلي الماء وغلت القدر ، قال النابغة :

يسير بها النعمان تغلي قدوره