التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ} (32)

ولكنه كذب بكل ذلك ، وتولى ، وأعرض عن سبيل الرشاد .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ} (32)

وفي مواجهة المشهد المكروب الملهوف الجاد الواقع يعرض مشهد اللاهين المكذبين ، الذين لا يستعدون بعمل ولا طاعة ، بل يقدمون المعصية والتولي ، في عبث ولهو ، وفي اختيال بالمعصية والتولي :

( فلا صدق ولا صلى ، ولكن كذب وتولى ، ثم ذهب إلى أهله يتمطى ) ! . .

وقد ورد أن هذه الآيات تعني شخصا معينا بالذات ، قيل هو أبو جهل " عمرو بن هشام " . . وكان يجيء أحيانا إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يسمع منه القرآن . ثم يذهب عنه ، فلا يؤمن ولا يطيع ، ولا يتأدب ولا يخشى ؛ ويؤذي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بالقول ، ويصد عن سبيل الله . . ثم يذهب مختالا بما يفعل ، فخورا بما ارتكب من الشر ، كأنما فعل شيئا يذكر . .

والتعبير القرآني يتهكم به ، ويسخر منه ، ويثير السخرية كذلك ، وهو يصور حركة اختياله بأنه( يتمطى ! )يمط في ظهره ويتعاجب تعاجبا ثقيلا كريها !

وكم من أبي جهل في تاريخ الدعوة إلى الله ، يسمع ويعرض ، ويتفنن في الصد عن سبيل الله ، والأذى للدعاة ، ويمكر مكر السيئ ، ويتولى وهو فخور بما أوقع من الشر والسوء ، وبما أفسد في الأرض ، وبما صد عن سبيل الله ، وبما مكر لدينه وعقيدته وكاد !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ} (32)

وحذف مفعول { كذّب } ليشمل كلَّ ما كذب به المشركون ، والتقدير : كذب الرسولَ والقرآنَ وبالبعث ، وتولى عن الاستجابة لشرائع الإِسلام .

ويجوز أن يكون الفاء تفريعاً وعطفاً على قوله : { إلى ربك يومئذٍ المساق } [ القيامة : 30 ] ، أي فقد فارق الحياة وسيق إلى لقاء الله خالياً من العُدّة لذلك اللقاء .

وفي الكلام على كلا الوجهين حذف يدل عليه السياق تقديره : فقد علم أنه قد خسر وتندم على ما أضاعه من الاستعداد لذلك اليوم .

وقد ورد ذلك في قوله تعالى : { إذا دُكّت الأرض دكاً دكاً وجاء ربك والملَك صفاً صفاً وجيء يومئذٍ بجهنم يومئذٍ يتذكر الإِنسان وأنّى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي } [ الفجر : 21 24 ] .

وفعل { صَدَّق } مشتق من التصديق ، أي تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن وهو المناسب لقوله : { ولكن كذّب } .

والمعنى : فلا ءامن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وبَعض المفسرين فَسَّر { صدَّق } بمعنى أعطى الصَّدَقة ، وهو غير جار على قياس التصريف إذ حقه أن يقال : تَصَدق ، على أنه لا يساعد الاستدراك في قوله : { ولكن كذب } .

وعُطف { ولا صلّى } على نفس التصديق تشويهاً له بأن حاله مبائن لأحْوَال أهل الإِسلام . والمعنى : فلم يؤمن ولم يسلم .

و { لا } نافية دخلت على الفعل الماضي والأكثر في دخولها على الماضي أن يعطف عليها نفي آخر وذلك حين يقصد المتكلم أمرين مثل ما هنا وقول زهير :

فَلا هو أخفاها ولم يتقدم

وهذا معنى قول الكسائي « ( لا ) بمعنى ( لَم ) ولكنه يقرن بغيره يقول العرب : لا عبدُ الله خارج ولا فلان ، ولا يقولون : مررت برجل لاَ محسن حتى يقال : ولا مجمل » اه فإذا لم يعطف عليه نفي آخر فلا يؤتى بعدها بفعل مُضِيَ إلاّ في إرادة الدعاء نحو : « لا فُضَّ فُوك » وشذ ما خالف ذلك . وأما قوله تعالى : { فَلاَ اقْتَحَمَ العقَبَةَ } [ البلد : 11 ] فإنّه على تأويل تكرير النّفي لأنّ مفعول الفعل المنفي بحرف { لا } وهو العقبة يتضمن عدة أشياء منفية بيَّنها قوله : { وما أدراك ما العقبة فكّ رقبة أو إطعام إلى قوله : { من الذين ءامنوا } [ البلد : 12 17 ] . فلما كان ذلك متعلق الفعل المنفي كان الفعل في تأويل تكرير النفي كأنه قيل : فَكَّ رقبة ولا أطعَم يتيماً ولا أطعم مسكيناً ولا آمن .

وجملة { ولكن كذب } معطوفة على جملة { فلا صدّق } .

وحرف { لكن } المخفف النون بالأصالة أي الذي لم يكن مُخفَّفَ النون المشددة أختَ ( إنّ ) هو حرف استدراك ، أي نقض لبعض ما تضمنته الجملة التي قبله إِما لمجرد توكيد المعنى بذكر نقيضه مثل قوله تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم } [ الأحزاب : 5 ] ، وإما لبيان إجمال في النفي الذي قبله نحو { ما كان محمدٌ أبَاً أحد من رجالكم ولكن رسولَ الله } [ الأحزاب : 40 ] .

وحرف { لكن } المخفف لا يعمل إعراباً فهو حرف ابتداء ولذلك أكثر وقوعه بعد واو العطف وجُملة { ولكن كذب وتولى } أفادت معنيين : أحدهما توكيد قوله { فلا صدَّق } بقوله : { كَذب } ، وثانيهما زيادة بيان معنى { فَلا صدق } بأنه تولَّى عمداً لأنّ عدم التصديق له أحوال ، ونظيره في غير الاستدراك قوله تعالى : { إلاّ إبليس أبى واستكبر } [ البقرة : 34 ] .

والتكذيب : تكذيبه بالبعث وبالقرآن وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم .

والتولي : الإِعراض عن دعوته إلى النظر والتدبر في القرآن .

وفاعل { صَدق } والأفعال المذكورة بعده ضمائر عائدة على الإِنسان المتقدم ذكره .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ} (32)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يقول: ولكن كذب بالقرآن وتولى عن الإيمان يقول: أعرض عن الإيمان.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فلم يصدّق بكتاب الله، ولم يصلّ له صلاة، ولكنه كذّب بكتاب الله، وتولى فأدبر عن طاعة الله.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 31]

إنه تعالى شرح كيفية عمله فيما يتعلق بأصول الدين وبفروعه، وفيما يتعلق بدنياه. أما ما يتعلق بأصول الدين فهو أنه ما صدق بالدين، ولكنه كذب به، وأما ما يتعلق بفروع الدين، فهو أنه ما صلى ولكنه تولى وأعرض، وأما ما يتعلق بدنياه، فهو أنه ذهب إلى أهله يتمطى، ويتبختر، ويختال في مشيته، واعلم أن الآية دالة على أن الكافر يستحق الذم والعقاب بترك الصلاة كما يستحقهما بترك الإيمان

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 31]

وقوله: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} هذا إخبار عن الكافر الذي كان في الدار الدنيا مكذبا للحق بقلبه، متوليا عن العمل بقالبه، فلا خير فيه باطنا ولا ظاهرا.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما نفى عنه أفعال الخير، أثبت له أفعال الشر فقال: {ولكن} أي فعل ضد التصديق بأن {كذب} أي بما أتاه من- الله {وتولى} أي و- فعل ضد الصلاة التي هي صلة- بين المخلوق والخالق، فاجتهد في خلاف ما تدعوه إليه فطرته الأولى المستقيمة من الإعراض عن الطاعة من الصلاة وغيرها حتى صار له ذلك ديدناً، فصارت الطاعة لا تخطر له بعد ذلك على بال لموت الفطرة الأولى وحياة النفس الأمارة بالسوء، وليس هذا بتكرار لأنه لا يلزم من عدم التصديق التكذيب.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

{ولكن كَذَّبَ وتولى} نفيا لتوهم السكوت أو الشك، أي ومع ذلك أظهر الجحود والتولي عن الطاعة.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وحذف مفعول {كذّب} ليشمل كلَّ ما كذب به المشركون، والتقدير: كذب الرسولَ والقرآنَ وبالبعث، وتولى عن الاستجابة لشرائع الإِسلام.