التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ} (32)

( 1 ) التراقي : جمع ترقوة وهي أعلى الصدر مما يلي الحلق . وبلغت التراقي بمعنى وصلت روح الإنسان إلى ترقوته في طريقها إلى الخروج منه ، والجملة كناية عن الاحتضار .

{ كلا إذا بلغت التراقي1( 26 ) وقيل من راق2 ( 27 ) وظن3 أنه الفراق( 28 ) والتفت الساق بالساق4( 29 ) إلى ربك يومئذ المساق5( 30 ) فلا صدق ولا صلى( 31 ) ولكن كذب وتولى( 32 ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى6( 33 ) أولى لك فأولى( 34 )7 ثم أولى لك فأولى( 35 ) أيحسب الإنسان أن يترك سدى( 36 ) ألم يك نطفة من مني يمنى( 37 ) ثم كان علقة فخلق فسوى( 38 ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى( 39 ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى( 40 ) ) [ 26-40 ]

والآيات استمرار للسياق أيضا . وهي في صدد الإنذار بالآخرة ومصائر الناس فيها ، والبرهنة على قدرة الله على بعث الناس وحشرهم إلى الحساب والجزاء . وفيها وصف لحال الإنسان حينما يحضره الموت ، ويتأكد من فراق الدنيا ويساق إلى الله ؛ وفيها تنديد في معرض الإنذار لمن لا يكون قد آمن وقام بواجبات عبادة الله وأعرض عن الدعوة إليه مستكبرا متبخترا ، وتساؤل استنكاري في معرض التوكيد بأن الله لا يمكن أن يكون خلق الناس عبثا ، وأن يتركهم بدون حساب وجزاء كما قد يحسب الجاحدون . فالله قد أنشأ الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم جعله خلقا سويا ثم جعله زوجين ذكرا وأنثى ، ومن قدر أن يفعل ذلك قادر من باب أولى أن يحيي الموتى ويبعثهم ليحاسبوا على أعمالهم .

والآيات على ما يبدو من مجموعها في صدد التنديد بالمعاند المكذب ليوم القيامة المهمل لواجباته نحو الله والمنصرف عن دعوته . والوصف الذي بدأت به الآيات قد قصد به على ما هو المتبادر تذكير السامعين ، وبخاصة المعاندين والمكذبين بالمصير المحتوم لكل حي ، وإثارة الخوف في نفوسهم ودعوتهم إلى التفكير في العاقبة والمصير قبل أن يصلوا إلى النهاية من آجالهم وتكون الفرصة قد أفلتت منهم .