التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ كَٱلۡمُجۡرِمِينَ} (35)

والاستفهام فى قوله : { أَفَنَجْعَلُ المسلمين كالمجرمين } للنفى والإِنكار . والفاء للعطف على مقدر يقتضيه الكلام .

أى : أنحيف فى أحكامنا فنجعل الذين أخلصوا لنا العبادة . كالذين أشركوا معنا آلهة أخرى ؟ أو نجعل الذين أسلموا وجوههم لنا ، كالذين فسقوا عن أمرنا ؟

كلا ، لن نجعل هؤلاء كهؤلاء ، فإن عدالتنا تقتضى التفريق بينهم .

قال الجمل : لما نزلت هذه الآية وهى قوله : { إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ . . . } قال كفار مكة للمسلمين إن الله فضلنا عليكم فى الدنيا ، فلابد وأن يفضلنا عليكم فى الآخرة ، فإذا لم يحصل التفضيل ، فلا أقل من المساواة فأجابهم الله - تعالى - بقوله : { أَفَنَجْعَلُ المسلمين كالمجرمين } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ كَٱلۡمُجۡرِمِينَ} (35)

35

فليأت بشركائهم إن كانوا صادقين . يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون . خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة . وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون . فذرني ومن يكذب بهذا الحديث . سنستدرجهم من حيث لا يعلمون . وأملي لهم إن كيدي متين . أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون ? أم عندهم الغيب فهم يكتبون )? !

والتهديد بعذاب الآخرة وحرب الدنيا يجيء - كما نرى - في خلال ذلك الجدل ، وهذا التحدي . فيرفع من حرارة الجدل ، ويزيد من ضغط التحدي .

والسؤال الاستنكاري الأول : ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين ? )يعود إلى عاقبة هؤلاء وهؤلاء التي عرضها في الآيات السابقة . وهو سؤال ليس له إلا جواب واحد . . لا . لا يكون . فالمسلمون المذعنون المستسلمون لربهم ، لا يكونون أبدا كالمجرمين الذين يأتون الجريمة عن لجاج يسمهم بهذا الوصف الذميم ! وما يجوز في عقل ولا في عدل أن يتساوى المسلمون والمجرمون في جزاء ولا مصير .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ كَٱلۡمُجۡرِمِينَ} (35)

أفنجعل المسلمين كالمجرمين إنكار لقول الكفرة فإنهم كانوا يقولون إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم يفضلونا بل نكون أحسن حالا منهم كما نحن عليه في الدنيا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ كَٱلۡمُجۡرِمِينَ} (35)

فاء التفريع تقتضي أن هذا الكلام متفرع على ما قبله من استحقاق المتقين جنات النعيم ، ومقابلته بتهديد المشركين بعذاب الدّنيا والآخرة ، ولكن ذلك غير مصرح فيه بما يناسب أن يتفرع عليه هذا الإنكار والتوبيخ فتعيَّن تقدير إنكار من المعرض بهم ليتوجه إليهم هذا الاستفهام المفرع ، وهو ما أشرنا إليه آنفاً من توقع أو وقوعَ سؤال .

والاستفهام وما بعده من التوبيخ ، والتخطئة ، والتهكم على إدلالهم الكاذب ، مؤذن بأن ما أنكر عليهم ووبخوا عليه وسُفهوا على اعتقاده كان حديثاً قد جرى في نواديهم أو استسخروا به على المسلمين في معرض جحود أن يكون بَعث ، وفرضهم أنه على تقدير وقوع البعث والجزاء لا يكون للمسلمين مزية وفضل عند وقوعه .

وعن مقاتل لما نزلت آية { إن للمتقين عند ربّهم جنات النعيم } [ القلم : 34 ] قالت قريش : إن كان ثمة جنة نعيم فلنا فيها مثل حظنا وحظهم في الدّنيا ، وعن ابن عباس أنهم قالوا : إنا نعطى يومئذٍ خيراً مما تُعطون فنزل قوله : { أفنجعل المسلمين كالمجرمين } الآية .

والهمزة للاستفهام الإِنكاري ، فرع إنكار التساوي بين المسلمين والكافرين على ما سبق من اختلاف جزاء الفريقين فالإِنكار متسلط على ما دار بين المشركين من القول عند نزول الآية السابقة أو عند نزول ما سبقها من آي القرآن التي قابلت بين جزاء المؤمنين وجزاء المشركين كما يقتضيه صريحاً قوله : { ما لكم كيف تحكمون } إلى قوله : { إن لكم لما تحكمون } [ القلم : 39 ] .

وإنكار جعل الفريقين متشابهين كناية عن إعطاء المسلمين جزاء الخير في الآخرة وحرمان المشركين منه ، لأن نفي التساوي وارد في معنى التضاد في الخير والشر في القرآن وكلام العرب قال تعالى : { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون } [ السجدة : 18 ] ، وقال : { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة } [ الحشر : 20 ] ، وقال : { أم نجعل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار } [ ص : 28 ] وقال السموأل أو الحارثي :

سَلي إن جَهِلْتِ الناسَ عنّا وعنهمُ *** فليس سواءً عالم وجهول

وإذا انتفى أن يكون للمشركين حظ في جزاء الخير انتفى ما قالوه من أنهم أفضل حظاً في الآخرة من المسلمين كما هو حالهم في الدّنيا بطريق فحوى الخطاب .

35