التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا يَسۡتَثۡنُونَ} (18)

{ وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } أي : دون أن يجعلوا شيئا - ولو قليلا - من ثمار هذا البستان للمتحاجين ، الذين أوجب الله - تعالى - لهم حقوقا في تلك الثمار .

وقيل : معنى { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } ولم يقولوا إن شاء الله .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا يَسۡتَثۡنُونَ} (18)

وبمناسبة الإشارة إلى المال والبنين ، والبطر الذي يبطره المكذبون ، يضرب لهم مثلا بقصة يبدو أنها كانت معروفة عندهم ، شائعة بينهم ، ويذكرهم فيها بعاقبة البطر بالنعمة ، ومنع الخير والاعتداء على حقوق الآخرين ؛ ويشعرهم أن ما بين أيديهم من نعم المال والبنين ، إنما هو ابتلاء لهم كما ابتلي أصحاب هذه القصة ، وأن له ما بعده ، وأنهم غير متروكين لما هم فيه :

إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ، ولا يستثنون . فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ، فأصبحت كالصريم . فتنادوا مصبحين : أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين . فانطلقوا وهم يتخافتون : ألا يدخلنها اليوم عليكم مسكين . وغدوا على حرد قادرين . فلما رأوها قالوا : إنا لضالون ، بل نحن محرومون . قال أوسطهم : ألم أقل لكم لولا تسبحون ! قالوا : سبحان ربنا إنا كنا ظالمين . فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ، قالوا : يا ويلنا إنا كنا طاغين ، عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون . . كذلك العذاب ، ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون . .

وهذه القصة قد تكون متداولة ومعروفة ، ولكن السياق القرآني يكشف عما وراء حوادثها من فعل الله وقدرته ، ومن ابتلاء وجزاء لبعض عباده . ويكون هذا هو الجديد في سياقها القرآني .

ومن خلال نصوصها وحركاتها نلمح مجموعة من الناس ساذجة بدائية أشبه في تفكيرها وتصورها وحركتها بأهل الريف البسطاء السذج . ولعل هذا المستوى من النماذج البشرية كان أقرب إلى المخاطبين بالقصة ، الذين كانوا يعاندون ويجحدون ، ولكن نفوسهم ليست شديدة التعقيد ، إنما هي أقرب إلى السذاجة والبساطة !

والقصة من ناحية الأداء تمثل إحدى طرق الأداء الفني في القرآن ؛ وفيه مفاجآت مشوقة كما أن فيه سخرية بالكيد البشري العاجز أمام تدبير الله وكيده . وفيه حيوية في العرض حتى لكأن السامع - أو القارئ - يشهد القصة حية تقع أحداثها أمامه وتتوالى . فلنحاول أن نراها كما هي في سياقها القرآني :

ها نحن أولاء أمام أصحاب الجنة - جنة الدنيا لا جنة الآخرة - وها هم أولاء يبيتون في شأنها أمرا . لقد كان للمساكين حظ من ثمرة هذه الجنة - كما تقول الروايات - على أيام صاحبها الطيب الصالح . ولكن الورثة يريدون أن يستأثروا بثمرها الآن ، وأن يحرموا المساكين حظهم . . فلننظر كيف تجري الأحداث إذن !

( إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ، ولا يستثنون ) .

*ت*

لقد قر رأيهم على أن يقطعوا ثمرها عند الصباح الباكر ، دون أن يستثنوا منه شيئا للمساكين . وأقسموا على هذا ، وعقدوا النية عليه ، وباتوا بهذا الشر فيما اعتزموه . . فلندعهم في غفلتهم أو في كيدهم الذي يبيتوه ،

ولننظر ماذا يجري من ورائهم في بهمة الليل وهم لا يشعرون . فإن الله ساهر لا ينام كما ينامون ، وهو يدبر لهم غير ما يدبرون ، جزاء على ما بيتوا من بطر بالنعمة ومنع للخير ، وبخل بنصيب المساكين المعلوم . . إن هناك مفاجأة تتم في خفية . وحركة لطيفة كحركة الأشباح في الظلام . والناس نيام :

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا يَسۡتَثۡنُونَ} (18)

{ ولا يستثنون } ولا يقولون إن شاء الله ، وإنما سماه استثناء لما فيه من الإخراج ، غير أن المخرج به خلاف المذكور ، والمخرج بالاستثناء عينه . أو لأن معنى لأخرج إن شاء الله ، ولا أخرج إلا أن يشاء الله واحد ، أو ولا يستثنون حصة المساكين ، كما كان يخرج أبوهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا يَسۡتَثۡنُونَ} (18)

وقوله تعالى : { ولا يستثنون } ولا يتوقفون في ذلك ، أو ولا يثنون عن رأي منع المساكين ، وقال مجاهد معناه : لا يقولون إن شاء الله ، بل عزموا على ذلك عزم من يملك أمره .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا يَسۡتَثۡنُونَ} (18)

ومعنى { لا يستثنون } : أنهم لا يستثنون من الثمرة شيئاً للمساكين ، أي أقسموا ليَصْرِمُنّ جميع الثمر ولا يتركون منه شيئاً . وهذا التعميم مستفاد مما في الصرم من معنى الخزن والانتفاع بالثمرة وإلاّ فإن الصرم لا ينافي إعطاءَ شيء من المجذوذ لمن يريدون . وأُجمل ذلك اعتماداً على ما هو معلوم للسامعين من تفصيل هذه القصة على عادة القرآن في إيجاز حكاية القصص بالاقتصار على موضع العبرة منها .

وقيل معناه : { لا يستثنون } لإِيمانهم بأن يقولوا إن شاء الله كما قال تعالى : { ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غداً إلاّ أن يشاء الله } [ الكهف : 2324 ] . ووجه تسميته استثناء أن أصل صيغته فيها حرف الاستثناء وهو ( إلاّ ) ، فإذا اقتصر أحد على « إن شاء الله » دون حرف الاستثناء أطلق على قوله ذلك استثناءٌ لأنه على تقدير : إلا أن يشاء الله . على أنه لما كان الشرط يؤول إلى معنى الاستثناء أطلق عليه استثناء نظراً إلى المعنى وإلى مادة اشتقاق الاستثناء .

وعلى هذا التفسير يكون قوله : { ولا يستثنون } من قبيل الإِدماج ، أي لِمبلغ غرورهم بقوة أنفسهم صاروا إذا عزموا على فعل شيء لا يتوقعون له عائقاً ، والجملة في موضع الحال ، والتعبير بالفعل المضارع لاستحضار حالتهم العجيبة من بُخلِهم على الفقراء والأيتام .

وعلى الروايات كلها يعلم أن أهل هذه الجنة لم يكونوا كفاراً ، فوجه الشبه بينهم وبين المشركين المضروب لهم هذا المثل هو بطر النعمة والاغترار بالقوة .