التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِن يَكُن لَّهُمُ ٱلۡحَقُّ يَأۡتُوٓاْ إِلَيۡهِ مُذۡعِنِينَ} (49)

{ وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ الحق يأتوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } .

والإذعان : الانقياد والطاعة ، يقال : أذعن فلان لفلان ، إذا انقاد له وخضع لأمره .

أى : وإن يكن لهؤلاء المنافقين الحق على غيرهم ، يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم منقادين طائعين راضين بحكمه ، لأنهم واثقون من أنه صلى الله عليه وسلم لن يبخسهم شيئا من حقوقهم لا يأتون إليه مذعنين فى كل الأحوال ، وإنما يأتون إليه صلى الله عليه وسلم مذعنين لحكمه عندما يكونون أصحاب حق فى قضية من القضايا الدنيوية التى تحصل بينهم وبين غيرهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِن يَكُن لَّهُمُ ٱلۡحَقُّ يَأۡتُوٓاْ إِلَيۡهِ مُذۡعِنِينَ} (49)

46

ولقد كان هؤلاء الذين يدعون الإيمان يخالفون مدلوله حين يدعون ليتحاكموا إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] على شريعة الله التي جاء بها :

( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون . وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين ) . .

فلقد كانوا يعلمون أن حكم الله ورسوله لا يحيد عن الحق ، ولا ينحرف مع الهوى ، ولا يتأثر بالمودة والشنآن . وهذا الفريق من الناس لا يريد الحق ولا يطيق العدل . ومن ثم كانوا يعرضون عن التحاكم إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ويأبون أن يجيئوا إليه . فأما إذا كانوا أصحاب حق في قضية فهم يسارعون إلى تحكيم رسول الله ، راضين خاضعين ، لأنهم واثقون أنهم سيقضي لهم بحقهم ، وفق شريعة الله ، التي لا تظلم ولا تبخس الحقوق .

هذا الفريق الذي كان يدعي الإيمان ، ثم يسلك هذا السلوك الملتوي ، إنما هو نموذج للمنافقين في كل زمان ومكان . المنافقين الذي لا يجرؤون على الجهر بكلمة الكفر ، فيتظاهرون بالإسلام . ولكنهم لا يرضون أن تقضي بينهم شريعة الله ، ولا أن يحكم فيهم قانونه ، فإذا دعوا إلى حكم الله ورسوله أبوا وأعرضوا وانتحلوا المعاذير ( وما أولئك بالمؤمنين )فما يستقيم الإيمان وإباء حكم الله ورسوله . إلا أن تكون لهم مصلحة في أن يتحاكموا إلى شريعة الله أو يحكموا قانونه !

إن الرضى بحكم الله ورسوله هو دليل الإيمان الحق . وهو المظهر الذي ينبى ء عن استقرار حقيقة الإيمان في القلب . وهو الأدب الواجب مع الله ومع رسول الله . وما يرفض حكم الله وحكم رسوله إلا سييء الأدب معتم ، لم يتأدب بأدب الإسلام ، ولم يشرق قلبه بنور الإيمان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِن يَكُن لَّهُمُ ٱلۡحَقُّ يَأۡتُوٓاْ إِلَيۡهِ مُذۡعِنِينَ} (49)

وقوله : { وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } ، أي : وإذا كانت الحكومة لهم لا عليهم ، جاؤوا سامعين مطيعين وهو معنى قوله : { مُذْعِنِينَ } وإذا كانت الحكومة عليه أعرض ودعا إلى غير الحق ، وأحب أن يتحاكم إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم ليروج باطله ثَمّ . فإذعانه أولا لم يكن عن اعتقاد منه أن ذلك هو الحق ، بل لأنه موافق لهواه ؛ ولهذا لما خالف الحقّ قصده ، عدل عنه إلى غيره ؛ ولهذا قال تعالى : { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِن يَكُن لَّهُمُ ٱلۡحَقُّ يَأۡتُوٓاْ إِلَيۡهِ مُذۡعِنِينَ} (49)

و { مذعنين } أي مظهرين للانقياد والطاعة وهم إنما فعلوا ذلك حيث أيقنوا بالُّنجح ، وأما إذا طلبوا بحق فهم عنه { معرضون }

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِن يَكُن لَّهُمُ ٱلۡحَقُّ يَأۡتُوٓاْ إِلَيۡهِ مُذۡعِنِينَ} (49)

قوله : { وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه } أي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .

ومعنى : { وإن يكن لهم الحق } أنه يكون في ظن صاحب الحق ويقينه أنه على الحق . ومفهومه أن من لم يكن له الحق منهم وهو العالم بأنه مبطل لا يأتي إذا دعي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ، فعُلم منه أن الفريق المعرضين هم المبطلون . وكذلك شأن كل من هو على الحق أنه لا يأبى من القضاء العادل ، وشأن المبطل أن يأبى العدل لأن العدل لا يلائم حبه الاعتداء على حقوق الناس ، فسبب إعراض المعرضين علمهم بأن في جانبهم الباطل وهم قد تحققوا أن الرسول لا يحكم إلا بصراح الحق .

وهذا وجه موقع جملة : { أفى قلوبهم مرض } إلى آخرها .

ووقع حرف { إذا } المفاجأة في جواب { إذا } الشرطية لإفادة مبادرتهم بالإعراض دون تريث لأنهم قد أيقنوا من قبل بعدالة الرسول وأيقنوا بأن الباطل في جانبهم فلم يترددوا في الإعراض .

والإذعان : الانقياد والطاعة .

ولما كان هذا شأناً عجيباً استؤنف عقبه بالجملة ذات الاستفهامات المستعملة في التنبيه على أخلاقهم ولفت الأذهان إلى ما انطووا عليه والداعي إلى ذلك أنها أحوال خفية لأنهم كانوا يظهرون خلافها .