التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقُلۡ إِنِّيٓ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلۡمُبِينُ} (89)

وقوله - سبحانه - : { وَقُلْ إني أَنَا النذير المبين } معطوف على ما قبله .

أى : لا تحزن - أيها الرسول الكريم - على مصير الكافرين ، وتواضع لأتباعك المؤمنين ، وقل للناس جميعًا ما قاله كل نبى قبلك لقومه : إنى أنا المنذر لكم من عذاب الله إذا ما بقيتم على كفركم ، الموضح لكم كل ما يخفى عليكم .

فالنذير هنا بمعنى المنذر ، والمبين بمعنى الكاشف والموضح .

وفى الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إنما مثلى ومثل ما بعثنى الله به ، كمثل رجل أتى قومه فقال : يا قوم ، إنى رأيت الجيش بعينى ، وإنى أنا النذير العريان ، فالنجاء النجاء ، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا ، وانطلقوا على مهلهم فنجوا . وكذبه طائفة منهم فأصبحوا مكانهم ، فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم ، فذلك مثل من أطاعنى واتبع ما جئت به ، ومثل من عصانى وكذب ما جئت به من الحق " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقُلۡ إِنِّيٓ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلۡمُبِينُ} (89)

85

( وقل : إني أنا النذير المبين ) . .

فذلك هو طريق الدعوة الأصيل . . ويفرد الإنذار هنا دون التبشير لأنه الأليق بقوم يكذبون ويستهزئون ، ويتمتعون ذلك المتاع البراق ، ولا يستيقظون منه لتدبر الحق الذي تقوم عليه الدعوة ، وتقوم عليه الساعة ، ويقوم عليه الكون الكبير .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقُلۡ إِنِّيٓ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلۡمُبِينُ} (89)

يأمر تعالى نبيه ، صلوات الله وسلامه عليه ، أن{[16259]} يقول للناس : إنه { النَّذِيرُ الْمُبِينُ } البين النذارة ، نذير للناس من عذاب أليم أن يحل بهم على تكذيبه كما حل بمن تقدمهم من الأمم المكذبة لرسلها ، وما أنزل الله عليهم من العذاب والانتقام .


[16259]:في ت، أ: "بأن".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقُلۡ إِنِّيٓ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلۡمُبِينُ} (89)

القول في تأويل قوله تعالى { وَقُلْ إِنّيَ أَنَا النّذِيرُ الْمُبِينُ * كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ * الّذِينَ جَعَلُواْ الْقُرْآنَ عِضِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وقل يا محمد للمشركين إني أنا النذير الذي قد أبان إنذاره لكم من البلاء والعقاب أن ينزل بكم من الله على تماديكم في غيكم كما أَنْزَلْنَا على المُقْتَسِمِينَ يقول : مثل الذي أنزل الله تعالى من البلاء والعقاب على الذين اقتسموا القرآن ، فجعلوه عِضِين .

ثم اختلف أهل التأويل في الذين عُنُوا بقوله : المُقْتَسِمِينَ ، فقال بعضهم : عني به . اليهود والنصارى ، وقال : كان اقتسامهم أنهم اقتسموا القرآن وعضّوه ، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه . ذكر من قال ذلك :

حدثني عيسى بن عثمان الرملي ، قال : حدثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن أبي ظَبْيان ، عن ابن عباس ، في قوله الله : كمَا أنْزَلْنا على المُقْتَسِمِينَ الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال : هم اليهود والنصارى ، آمنوا ببعض وكفروا ببعض .

حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم ، قالا : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : كمَا أنْزَلْنا على المُقْتَسِمينَ الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال : هم أهل الكتاب ، جزّءوه فجعلوه أعضاء أعضاء ، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس ، في قوله : كمَا أنْزَلْنا على المُقْتَسِمِينَ الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال : الذين آمنوا ببعض ، وكفروا ببعض .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس ، قال : المُقْتَسِمِينَ أهل الكتاب . الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال : يؤمنون ببعض ، ويكفرون ببعض .

حدثني مطر بن محمد الضّبّيّ ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، أنه قال في قوله : كمَا أنْزَلْنا على المُقْتَسِمِينَ قال : هم أهل الكتاب .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير أنه قال في هذه الاَية : كمَا أنْزَلْنا على المُقْتَسِمِينَ الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال : هم أهل الكتاب ، آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال : هم أهل الكتاب جزّءوه فجعلوه أعضاء ، فأمنوا ببعضه وكفروا ببعضه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : جزّءوه فجعلوه أعضاء كأعضاء الجزور .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن منصور ، عن الحسن ، قال : هم أهل الكتاب .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : كمَا أنْزَلْنا على المُقْتَسِمِينَ قال : هم اليهود والنصارى من أهل الكتاب ، قسموا الكتاب فجعلوه أعضاء ، يقول : أحزابا ، فآمنوا ببعض وكفروا ببعض .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : المُقْتَسِمِينَ آمنوا ببعض ، وكفروا ببعض ، وفرقوا الكتاب .

وقال آخرون : المُقْتَسِمِينَ أهل الكتاب ، ولكنهم سموا المقتسمين ، لأن بعضهم قال استهزاء بالقرآن : هذه السورة لي ، وقال بعضهم : هذه لي . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك ، عن عكرمة أنه قال في هذه الاَية : الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال : كانوا يستهزءون ، يقول هذا : لي سورة البقرة ، ويقول هذا : لي سورة آل عمران .

وقال آخرون : هم أهل الكتاب ، ولكنهم قيل لهم : المقتسمون لاقتسامهم كتبهم وتفريقهم ذلك بإيمان بعضهم ببعضها وكفره ببعض ، وكفر آخرين بما آمن به غيرهم وإيمانهم بما كفر به الاَخرون . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد : كمَا أنْزَلْنا على المُقْتَسِمِينَ الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال : هم اليهود والنصارى ، قسموا كتابهم ففرّقوه وجعلوه أعضاء .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثني الحسن قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حُذيفة ، قال : حدثنا شبل جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : كمَا أنْزَلْنا على المُقْتَسِمِينَ قال : أهل الكتاب فرقوه وبدّلوه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : كمَا أنْزَلْنا على المُقْتَسِمِينَ قال : أهل الكتاب .

وقال آخرون : عُنِي بذلك رهط من كفار قريش بأعيانهم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : كمَا أنْزَلْنا عَلَى المُقْتَسِمِينَ الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ رهط خمسة من قريش ، عَضّهُوا كتاب الله .

وقال آخرون : عُنِيَ بذلك رهط من قوم صالح الذين تقاسموا على تبييت صالح وأهله . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : كمَا أنْزَلْنا على المُقْتَسِمِينَ قال : الذين تقاسموا بصالح . وقرأ قول الله تعالى : وكانَ فِي المَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ قال : تقاسموا بالله حتى بلغ الاَية .

وقال بعضهم : هم قوم اقتسموا طرق مكة أيام قدوم الحاجّ عليهم ، كان أهلها بعثوهم في عقابها ، وتقدموا إلى بعضهم أن يشيع في الناحية التي توجه إليها لمن سأله عن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم من القادمين عليهم ، أن يقول : هو مجنون ، وإلى آخر : إنه شاعر ، وإلى بعضهم : إنه ساحر .

والصواب من

القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُعلم قومه الذين عضّوا القرآن ففرقوه ، أنه نذير لهم من سخط الله تعالى وعقوبته أن يَحُلّ بهم على كفرهم ربهم وتكذيبهم نبيهم ما حلّ بالمقتسمين من قبلهم ومنهم . وجائز أن يكون عني بالمقتسمين : أهل الكتابين التوراة والإنجيل ، لأنهم اقتسموا كتاب الله ، فأقرّت اليهود ببعض التوراة وكذبت ببعضها وكذبت بالإنجيل والفرقان ، وأقرّت النصارى ببعض الإنجيل وكذّبت ببعضه وبالفرقان . وجائز أن يكون عُنِي بذلك : المشركون من قريش ، لأنهم اقتسموا القرآن ، فسماه بعضهم شعرا وبعض كهانة وبعض أساطير الأوّلين . وجائز أن يكون عُنِي به الفريقان . وممكن أن يكون عُنِيَ به المقتسمون على صالح من قومه .

فإذ لم يكن في التنزيل دلالة على أنه عُني به أحد الفرق الثلاثة دون الاَخرين ، ولا في خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا في فطرة عقل ، وكان ظاهر الاَية محتملاً ما وصفت ، وجب أن يكون مقتضيّا بأن كلّ من اقتسم كتابا لله بتكذيب بعض وتصديق بعض ، واقتسم على معصية الله ممن حلّ به عاجل نقمة الله في الدار الدنيا قبل نزول هذه الاَية ، فداخل في ذلك لأنهم لأشكالهم من أهل الكفر بالله كانوا عبرة وللمتعظين بهم منهم عظَة .

واختلفت أهل التأويل في معنى قوله : الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ فقال بعضهم : معناه : الذين جعلوا القرآن فِرَقا مفترقة . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال : فرقا .

حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم ، قالا : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : جزّءوه فجعلوه أعضاء ، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : جزّءوه فجعلوه أعضاء كأعضاء الجزور .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا طلحة ، عن عطاء : الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنِ عِضِينَ قال : المشركون من قريش ، عَضّوُا القرآن فجعلوه أجزاء ، فقال بعضهم : ساحر ، وقال بعضهم : شاعر ، وقال بعضهم : مجنون فذلك العِضُون .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : في قوله : جَعَلُوا القُرآنَ عَضِينَ : جعلوا كتابهم أعضاء كأعضاء الجزور ، وذلك أنهم تقطعوه زبرا ، كل حزب بما لديهم فرحون ، وهو قوله : فَرّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ عضهوا كتاب الله زعم بعضهم أنه سِحْر ، وزعم بعضهم أنه شِعْر ، وزعم بعضهم أنه كاهن قال أبو جعفر : هكذا قال كاهن ، وإنما هو كهانة وزعم بعضهم أنه أساطير الأوّلين .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس : الّذِينَ جَعَلُوا الْقُرآنَ عِضِينَ قال : آمنوا ببعض ، وكفروا ببعض .

حدثني يونس ، قال : أخبرني ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال : جعلوه أعضاء كما تُعَضّى الشاة . قال بعضهم : كهَانة ، وقال بعضهم : هو سحر ، وقال بعضهم : شعر ، وقال بعضهم أساطِيرُ الأوّلِينَ اكْتَتَبَها . . . الاَية . جعلوه أعضاء كما تُعَضّى الشاة .

فوجه قائلو هذه المقالة قوله : عِضِينَ إلى أن واحدها : عُضْو ، وأن عِضِينَ جمعه ، وأنه مأخوذ من قولهم عَضّيت الشيء تعضية : إذا فرقته ، كما قال رُؤْبة :

*** وليس دينُ اللّهِ بالمُعَضّى ***

يعني بالمفرّق . وكما قال الاَخر :

وعَضّى بَنِي عَوْفٍ فأمّا عَدُوّهُمْ *** فأرْضَى وأمّا الْعِزّ منهُمُ فغَيّرَا

يعني بقوله : «وعَضّى » : سَبّاهُمْ ، وقَطّعاهُمْ بألسنتهما .

وقال آخرون : بل هي جمع عِضَة ، جمعت عِضِين كما جمعت البُرَة بُرِين ، والعِزِة عِزِين . فإذَا وُجّه ذلك إلى هذا التأويل كان أصل الكلام عِضَهَة ، ذهبت هاؤها الأصلية ، كما نقصوا الهاء من الشّفَة وأصلها شَفَهَة ، ومن الشاة وأصلها شاهة . يدلّ على أن ذلك الأصل تصغيرهم الشفة : شُفَيْهة ، والشاة : شُوَيْهة ، فيردّون الهاءَ التي تسقط في غير حال التصغير إليها في حال التصغير ، يقال منه : عَضَهْتُ الرجل أعضَهُه عَضْها : إذا بَهَتّه وقذفته ببُهتان . وكأن تأويل من تأويل ذلك كذلك : الذين عَضَهوا القرآن ، فقالوا : هو سحْر ، أو هو شعر ، نحو القول الذي ذكرناه عن قتادة .

وقد قال جماعة من أهل التأويل : إنه إنما عَنَى بالعَضْه في هذا الموضع ، نسبتهم إياه إلى أنه سِحْر خاصة دون غيره من معاني الذمّ ، كما قال الشاعر :

*** للماءِ مِنْ عِضَاتهنّ زَمْزَمهْ ***

يعني : من سِحْرهنّ . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة : الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال : سحرا .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : عِضِينَ قال : عَضَهوه وبَهَتُوه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : كان عكرمة يقول : العَضْه : السحر بلسان قريش ، تقول للساحرة : إنها العاضهة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال : سِحْرا أعضاء الكتب كلها وقريش ، فرقوا القرآن قالوا : هو سحر .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُعْلِم قوما عَضَهُوا القرآن أنه لهم نذير من عقوبة تنزل بهم بِعْضِهِهمْ إياه مثل ما أنزل بالمقتسمين ، وكان عَضْهُهُم إياه : قذفهموه بالباطل ، وقيلهم إنه شعر وسحر ، وما أشبه ذلك .

وإنما قلنا إن ذلك أولى التأويلات به لدلالة ما قبله من ابتداء السورة وما بعده ، وذلك قوله : إنّا كَفَيْناكَ المُسْتَهْزِئِينَ على صحة ما قلنا ، وإنه إنما عُنِيَ بقوله : الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ مشركي قومه . وإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أنه لم يكن في مشركي قومه من يؤمن ببعض القرآن ويكفر ببعض ، بل إنما كان قومه في أمره على أحد معنيين : إما مؤمن بجميعه ، وإما كافر بجميعه . وإذ كان ذلك كذلك ، فالصحيح من القول في معنى قوله : الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قول الذين زعموا أنهم عَضَهوه ، فقال بعضهم : هو سحر ، وقال بعضهم : هو شعر ، وقال بعضهم : هو كهانة وأما أشبه ذلك من القول ، أو عَضّوْه ففرقوه ، بنحو ذلك من القول . وإذا كان ذلك معناه احتمل قوله «عِضِين » ، أن يكون جمع : عِضة ، واحتمل أن يكون جمع عُضْو ، لأن معنى التعضية : التفريق ، كما تُعَضى الجَزُرزِ والشاة ، فتفرق أعضاء . والعَضْه : البَهْت ورميه بالباطل من القول فهما متقاربان في المعنى .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقُلۡ إِنِّيٓ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلۡمُبِينُ} (89)

{ وقل إني أنا النذير المبين } أنذركم ببيان وبرهان أن عذاب الله نازل بكم إن لم تؤمنوا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقُلۡ إِنِّيٓ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلۡمُبِينُ} (89)

{ وقل إني أنا النذير المبين } ، أي تمسك بهذا القدر العظيم الذي وهبناك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقُلۡ إِنِّيٓ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلۡمُبِينُ} (89)

جملة { وقل إنى أنا النذير المبين } عطف على جملة { ولا تحزن عليهم } . فالمقولُ لهم هذا القولُ هم المتحدّث عنهم بالضّمائر السابقة في قوله تعالى : { منهم } وقوله : { عليهم } . فالتقدير : وقل لهم لأن هذا القول مراد منه المتاركة ، أي ما عليّ إلاّ إنذاركم ، والقرينة هي ذكر النذارة دون البشارة لأن النذارة تناسب المكذبين إذ النذارة هي الإعلام بحدث فيه ضرّ .

والنّذير : فعيل بمعنى مُفعِل مثل الحكيم بمعنى المُحكم ، وضرب وجيع ، أي موجع .

والقصر المستفاد من ضمير الفصل ومن تعريف الجزءين قصر قلب ، أي لست كما تحسبون أنكم تغيظونني بعدم إيمانكم فإنّي نذير مبين غير متقايض معكم لتحصيل إيمانكم .

و { المبين } : الموضح المصرح .